أترى في الوجود مثلَكَ عالِمْ - عبد الغفار الأخرس

أترى في الوجود مثلَكَ عالِمْ
يردُ الناسُ بحرَه المتلاطمْ

أنت من أشرف العوالم ذاتاً
إنما هذه الرجال عوالم

أظهر الله فيك للناس سرّاً
ما لذاك السرّ الربوبيّ كاتم

ولك الله ما برحت صراطاً
مستقيما وعارضاً متراكم

وكل ظامٍ على مناهل ما أو
تيت من فضل ربك حايم

تتلقى الأفهام منك وما تنـ
ـطق إلاّ بالحق والحقّ ناجم

كلمات كأنهن سيوف
أين من فضلك السيوف الصوارم

يا قوام الدين الحنيفيّ والـ
ـدين لعمري بمثل ذاتك قائم

إنّما أنتَ رحمة في الأر
ض على أمَّة ِ لها الله راحم

أنتَ للحق واليقين صباح
راح يجلو ليلاً من الشك فاحم

شهد الله أنَّها معجزات
لم تسلم بالحق من لا يسالم

حجج تفحم المجادل بالباطل
والجاحد الألّد المخاصم

وضعت للورى موازين بالقـ
ـسط وفيها لا زال دفع المظالم

طاوَلَتْ هذه السماء بأيدٍ
قصّرت دونها يدا كل ظالم

لا تبالي إذا حكمْتَ بأمر اللـ
ـدي جادت يمينه بالكرائم

آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر
آتٍ بالحقّ ماضي العزائم

وإذا ما أمرتَ لله أمراً
لست تخشى في الله لومة لائم

لك جدُّ الكلام والكلم الطيّـ
ـب يؤني امرئٍ ما يلائم

نَبَّهتْ من أرَدْتَ من سِنة الغـ
ـفلة فاستيقظ الذي كان نائم

رجع المجرم الذي اقترف الذنـ
ـب منيباً فيها وأصبحَ نادم

أعرَبتْ عن بلاغة ٍ لك أقلا
م فِصاحُ الإعراب وهي أعاجم

غرّدت ما جرت بأيديك في
الطرس شبيهاً تغريدها بالحمائم

نافثات وهي الجدوال للفضل
بقلب العدى سموم الأراقم

اتَّبعنا بالحق ملّة إبراهيم حنيـ
ـفاً والحقُّ بالحقِّ قائم

واتَّخذناه قبلة ً وإماماً
ومشيد البيت الرفيع الدعائم

ـب يؤتي كل امرىء ٍ ما يلائم
سلكوا في الندى سبيل المكارم

نشروا ذكر ما طوته الليالي
قبل هذا من عهد كعب وحاتم

كتبولا فوق جبهة الدهر أنّ
الدهر عبدٌ لهم رقيق وخادم

دَرَّ دَرُّ الندى أعاد أكُفّاً
منأناسٍ أعداؤهن الدراهم

بأبي سادة الأنام جميعاً

من ليوث ضراغم وغيوث
وبحور سواهم وخضارم

قال منهم للمكرمات قؤول
هكذا هكذا تكون المكارم

يتعدى جميل فعلهم الناس
وإنْ كان ذلك الفعل لازم

طهّر الله ذاتهم واصطفاهم
قبل ما ينتجون من صلب آدم

دائم الفخر خالد الذكر ما غير
فخارٍ لكم مدى الدهر دائم

واردٌ شرعة العلوم التي ليس
عليها إذا وَرَدْتِّ مزاحم

لم ينلها سواك نعمة مولى
أنت فيها تحلّ طرق النعايم

طالما حثحث النياق حثيثاً
راغبٌ في بديع فضلك هائم

قد وفدنا على كريم إذا استُجـ

ووقفنا بموقف العلم والتد
ريس والفضل والندى والمكارم

وشهدنا معالم المجد فيها
قد تعالت فيا لها من معالم

ثم شِمْنا برق المكارم قد لا
ح سناه من بين تلك المباسم

ولثمنا يدي عظيم قريب
من عظيم تعدَّه للعظائم

كشفتْ غمَّة َ النوائب عنا
ثم نابت لنا مناب الغمائم

لم تزل تتبع الجميل جميلاً
فهي إذ ذاك ساجم إثر ساجم

هذه سيّدي عريضة داعيك
كانت عن الوداد تراجم

كلّما أثبتت مديحك فيها
كان إثباتها لمحو المآثم

أطلب العفو في مديحك والغفـ
ـران والصفح عن جميع الجرائم

فتقبّل مني وما زال قدماً
ناثراً في مديحك العبد ناظم

بقوافٍ على عداك عوادٍ
يا فدتك العدى ووجهك سالم