تزود منها نظرة لم تدع له - الفرزدق

تَزَوّدَ مِنْهَا نَظْرَةً لمْ تَدَعْ لَهُ
فُؤاداً وَلمْ تَشْعُرْ بِمَا قَدْ تَزَوّدَا

فَلَمْ أرَ مَقْتُولاً وَلمْ أرَ قَاتِلاً
بِغَيرِ سِلاحٍ مِثْلَهَا حِينَ أقْصَدَا

فَإلاّ تُفَادي أوْ تَدِيهِ، فَلا أرَى
لهَا طَالِباً إلاّ الحُسَامَ المُهَنّدَا

كَأنّ السّيُوفَ المَشْرَفِيّةَ في البُرَى
إذا اللّيْلُ عَنْ أعْناقِهِنّ تَقَدَّدَا

حَرَاجيجُ بَينَ العَوْهَجيّ وَدَاعِرٍ
تَجُرُّ حَوَافِيهَا السّرِيحَ المُقَدَّدَا

طَوَالِبَ حَاجاتٍ بِرُكْبَانِ شُقّةٍ،
يَخُضْنَ خُدارِيّاً من اللّيلِ أسوَدَا

وَمَا تَرَكَ الأيّامُ والسَّنَةُ الّتي
تَعَرّقَ نَابَاهَا السّنَامَ المُصَعَّدَا

لَنَا وَالمَوَاشي باليَتَامَى يَقُدْنَهُمْ
إلى ظِلّ قِدرٍ حَشَّها حِينَ أوْقَدَا

أخُو شَتَواتٍ يَرْفَعُ النّارَ للقِرَى،
إذا كَعَمَ الكَلْبَ اللّئيمُ وَأخْمَدَا

وَرِثتَ ابنَ حرْبٍ وَابنَ مَرْوَانَ وَالذي
بِهِ نَصَرَ الله النّبيَّ مُحَمّدَا

تَرَى الوَحْشَ يَسَتحيينَهُ إذْ عَرَفنَه،
لَهُ فَوْقَ أرْكانِ الجَرَاثيمِ سُجّدَا

أبَى طِيبُ كَفّيْكَ الكَثِيرِ نَداهُمَا،
وَإعطاؤكَ المَعرُوفَ أنْ تَتَشَدّدَا

لحَقْنِ دَمٍ أوْ ثَرْوَةٍ مِنْ عَطِيّةٍ
تكونُ حيَا مَن حَلّ غَوْراً وَأنجَدَا

وَلَوْ صَاحَبَتْهُ الأنْبِيَاءُ ذَوُو النّهى
رَأوْهُ مَعَ المُلْكِ العَظِيمِ المُسَوَّدَا

وَمَا سَالَ في وَادٍ كَأوْدِيَةٍ لَهُ،
دَفَعْنَ مَعاً في بَحْرِهِ حِينَ أزْبَدَا

وَبَحْرُ أبي سُفْيَانَ وَابْنَيْهِ يَلْتَقي
لَهُنّ إذا يَعْلُو الحَصِينَ المُشَيَّدَا

رَأيْتَ مِنَ الأنْعَامِ في حَافَتَيْهِما
بَهائِمَ قَدْ كُنّ الغُثَاءَ المُنَضَّدَا

فَلا أُمَّ إلا أم عيسى عَلِمْتُهَا
كَأُمّكَ خَيراً أُمّهَاتٍ وَأمْجَدَا

وَإنْ عُدّتِ الآباءُ كنتَ ابنَ خَيرِهم،
وَأمْلاكِها الأوْرَينَ في المَجْدِ أزْنُدَا