المسيح الأخير - علي الجلاوي

أيّهذا القتيلُ
الذي نام في دمهِ شرفةُ الكونِ
حقلاً ..
وأغنية ركضت في المدى سوسنة
.
أيّهذا القتيلُ
الذي ملأته العواصفُ
واندفعتْ غربة الأرضِ في رئتيهِ
فغادر من حزنه مئذنة
.
أيّهذا المحالْ
لم تزل في الرؤى قدماكَ
وبصمة شطأنكَ النزفُ
بوصلة في اشتهاء الرياح ، ارتحالْ
.
أيّهذا المحالُ الذي
في جبينه كينونة الكونِ
مندلعٌ بالأغاني
وفي دمه اللغة الكامنة
.
أيّهذا القتيلُ الذي
كان يعبر فينا
وهبتَ المسافة إيمانها
وتركتَ خطانا تغادرها الأمكنة
.
ليس ممّا اعتراكَ الزمانُ
ولا حدّ قامتكَ الكونُ
يا سيد الروحِ
والنطقِِ
والنارِ
يا سيد الأزمنة
.
فاستفقْ أيّهذا القتيلُ
يحاصرنا اليتمُ
تخنقنا الغضبة المزمنة
.
استفقْ
فتحتكَ الخيول على الدهر أسئلةً
شبَّ أخضرُها بالنيازكِ
حطَّ على راحتيها التّكوُّن وانفجرتْ
صرخة آسنة
.
أيّهذا القتيلُ
أعطنا لحظة السرِ
وامتدَّ كنه الوجودِ
تخلّقْ بحزنكَ ناركَ أكثر
من أن تكون سوى ممكنة
***
تخلّقَ
وانفتحتْ صحوة الريح بين أصابعهِ
والجهات تلمُّ براحتهِ
رغبةَ اللا مكان ، وعزلتَها الساكنة
.
ضربتْ في المدى روحه النهرَ
وانتشرتْ
كان يخرج من صدر هذا الزمانِ
يسيلُ
يسيلُ
فهزّي إليكِ بفجر ولادته الكائنة
.
خذيهِ
على يده كربلاء
تغطّي ملامحه صهوةُ الغارِ
في فمه عبوةٌ
كفرتْ بالرؤى الداكنة
.
وهذا الصهيلُ
خذيه ستولد من دمه المستحيلْ
عواصم أمته الخائنة
.
سيولد عمّار، سلمان، كل العواصفِ
كل الأعاصيرِ
تولد من دمه قسمات النخيل
.
خذيهِ
ومرّي به واطرقي باب كل الجراحِ
طريقكِ خمسون حلماً
فشدّي المسافة نحو الرحيل
***
فلمّا أتتْ بهما قومها
كفروا بالرؤى واستخفّوا بخطوتهِ
قال إني ..
وفي النزف متسَّع فاسرجوهُ
سألقي عليكم حضارته الساخنة
.
فاستفاق على وقع أحلامهِ ذئبهم
واستفزّته بين يديها المواويلُ
كانتْ ..
ويعرفها جيداً " آمنة "
.
كانتْ ..
ويعرفها حين قال لها :
إيهِ ما كان نخلكِ
ما كان فوق يديكِ سماء
.
فكيف تردّي الوصايا
وتأتين بابنتكِ الثامنة
كربلاء
.
أشارتْ إليهِ ..
أشارتْ إلى النخل في رئتيهِ
فقالَ :
أنا البحر إني الكتاب النبيُ
ولكنهم صدّقوه بقتل أخيهِ
على جسد البيّنة
فكان الصليب يسير إلى دمهِ
والخيولُ.
لذا كان في عينهِ البحرُ
كل النوارس في صدرهِ والحقولُ.
لذا لم يكن يسعُ الزمنُ الصفرُ
أغنيةً ركضت في المدى سوسنة
.
أيّهذا القتيلُ
يعود إلى يتمه النخلُ
تدخل في حزنكَ المئذنة
***
صلاةٌ على قيح أضلاعها
تزهر الشمسُ
يمتدّ حقل الضياء
تحطُّ على ركبتيهِ
ومن نزق الكبرياء
.
تحطّ المرافئ متعبة في يديهِ
ويتركها تستحمُّ بوديانهِ صبيةً فاتنة
.
يجيء يدثّره الليلُ
يحمل أغنيةً ..
يوقظ الفجر
يتبعه للحقول دمُ الأنبياء
.
ويفتح نافذةً
تولد الشمس منها
وأشرعة النخل تعبر نحو السماء
.
وكان صبيٌّ هناكَ
يقول لنخلتهِ
إنه قد رأى سيداً وعلى ظهرهِ
لستُ أدري
قريبٌ من الجذع شيءٌ
وفي نايهِ لمسات الدماء
.
وكان شبيهاً بجدي ..
وكانْ
إذا ما مشى
يستفيق ويتبعهُ بالصلاة المكانْ
.
فلا تسأليني
رأيتُ المواويل في فمهِ..
صبيةً يلعبونَ
وكان يعيد لقلبي الكمانْ
.
وكان صديقاً
قريباً من النخل يتبعه السنديانْ
ويمشي حقولاً على الماء يمشي غناء
.
وكان صبيٌّ هناكَ يقولُ ..
بأن الفصول التي عبرتْ دمه خائنةْ
.
والسيولْ
وصمت القبيلة خائنةٌ خائنة
.
وكان يقولْ ..
أيّهذا القتيلُ
الذي نام في دمه شرفةُ الكونِ،
حقلاً
وأغنيةً ركضتْ في المدى سوسنة
.
أيّهذا القتيلُ
وهبتَ المسافة إيمانها
وتركتَ خطانا تغادرها الأمكنة
.
***
فأي رحيلٍ سيرحم للشام
هودج أشلائكمْ
وأي المنافي
ستحملكم للمنافي التي سوف تسكنكمْ
وأي قتيلٍ سيعرفكم بعد
هذا الدخول المصير
.
وطن أم حقيقة..
يُصفّي مواويلهُ
ثم يترك نصف اشتعالٍ على وجهكمْ
ويسير
.
تداخل في بعضنا السيفُ
وانطفأت لغة الحب عند دمي
فاستفاق حديقةْ
.
فكيف تعودوا إلى حلمكمْ
وطناً فوق رمحٍ ينامُ؟!
هبوبَ أغانٍ مؤجلةً للفرار الأسير؟!
.
أيّهذا القتيلُ
الشوارع في مُدُن الدم ليست صديقةْ
وهذا النهار الشروق الأخير
.
تدجّجني
عندما تستفيق يدي فوق جرحي
الرصاصةُ حين تقولُ :
أيا ولدي
إن حلماً وراء النزيف يطولُ
فخُذ نفساً
الخَيار بأنْ للعدوّ جناحكَ يا ولدي لا تدير
.
الخَيار اليتيمُ
تلمّسْ فؤادكَ واستنهضْ الريحَ
من جسد النارِ
إما تعود وتسبقكَ الطرقاتُ
و إما ترفُّ على جسدي وتطير
أيا ولدي.