أبى القلبُ إِلا أمّ عمروٍ وما أَرى - هدبة بن الخشرم

أَبى القَلبُ إِلّا أُمَّ عَمروٍ وَما أَرى
نَواها وَإِن طالَ التَذَكُّرُ تُسعِفُ

وَجَرَّت صُروفُ الدَهرِ حَتّى تَنكَّرَت
وَقَد يُخلِقُ النأَيُ الوِصالَ فَيَضعُفُ

وَقَد كُنتُ لا حُبٌّ كَحُبّيَ مُضمَرٌ
يُعَدُّ وَلا إِلفٌ كَما كُنتُ آلَفُ

مِنَ البيضِ لا يُسلي الهُمومَ طِلابُها
فَهَل لِلصِّبا إِذ جاوَزَ الهَمَّ مَوقِفُ

رَداحٌ كأَنَّ المِرطَ مِنها بِرَملَةٍ
هَيامٍ وَما ضَمَّ الوَشاحانِ أَهيَفُ

أَسيلَةُ مَجرى الدَمعِ يَرضى بِوَصلِها
مُطالِبُها ذو النيقَةِ المُتَطَرِّفُ

كأَنَّ ثَناياها وَبَردَ لِثاتِها
بُعَيدَ الكَرى تَجري عَليهِنَّ قَرقَفُ

شَمُولٌ كأَنَّ المِسكَ خالَطَ ريحَها
وَضُمِّنَها جَونُ المناكِبِ أَكلَفُ

تُشابُ بِماءِ المُزنِ في ظِلِّ صَخرَةٍ
تَقيها مِنَ الأَقذاءِ نَكباءُ حَرجَفُ

وَما مُغزِلٌ أَدماءُ تُضحي أَنيقَةً
بِأَسفَلَ وادٍ سَيلُهُ مُتَعَطِّفُ

بِأَحسَنَ مِنها يَومَ قامَت وَعينُها
بِعَبرَتِها مِن لَوعَةِ البَينِ تَذرِفُ

وَلَيلٍ لألقى أُمَّ عَمروٍ سَرَيتُهُ
يَهابُ سُراهُ المُدلِجُ المُتَعَسِّفُ

وَمُنشَقِّ أَعطافِ القَميصِ كأَنَّهُ
صَقيلٌ بَدا مِن خِلَّةِ الجَفرِ مُرهَفُ

نَصَبتُ وَقَد لَذَّ الرُقادُ بِعينِهِ
لِذِكراكِ والحِبُّ المُتَيَّمُ يشعَفُ

وَداويَّةٍ قَفرٍ يَحارُ بِها القَطا
بِها مِن رَذايا العيسِ حَسرى وَزُحَّفُ

عَسَفتُ بُعَيدَ النَومِ حَتّى تَقَطَّعَت
تَنائِفُها والكُورُ بِالكُورِ مُردَفُ

إِذا نَفنَفٌ بادي المياهِ قَطَعنَهُ
نَواشِطَ بِالمَوماةِ أَعرَضَ نَفنَفُ

بَعيدٌ كأَنَّ الآلَ فيهِ إِذا جَرى
عَلى مُستَوى الحِزّانِ رَيطٌ مُفَوَّفُ

لَعَمري لَئِن أَمسَيتُ في السِجنِ عانياً
عَليَّ رَقيبٌ حارِسٌ مُتَقَوِّفُ

إِذا سَبَّني أَغضَيتُ بَعدَ حَميَّةٍ
وَقَد يَصبِرُ المَرءُ الكَريمُ فَيَعرِفُ

لَقَد كُنتُ صَعباً ما تُرامُ مَقادَتي
إِذا مَعشَرٌ سيموا الهَوانَ فأَحنَفوا