أشاقكَ والليل مُلْقي الجِرانِ - أبو الشيص محمد

أشاقكَ والليل مُلْقي الجِرانِ
غرابٌ يَنوحُ على غصْنِ بانِ

أحمُّ الجناح شديد الصياح
يُبكِّي بعينين لاتَهْمُلانِ

وفي نَعَباتِ الغرابِ اغترابٌ
وفي البانِ بَيْنٌ بعيدُ التَّدانِ

لعمري لئن فزعَتْ مقلتاك
إلى دمعة قَطْرُها غيرُ وانِ

فَحَقَّ لعينيك ألاّ تجفَّ
دموعهما وهما تَطرِفانِ

ومن كان في الحيَ بالأمس منك
قريبَ المكان بعيدُ المكانِ

فهل لك يا عيشُ من رَجْعة ٍ
بأيّامِك المُونقاتِ الحسانِ

فيا عيشَنا والهوى مُورِقٌ
له غُصُنٌ أخْضر العُودِ دانِ

لعَلَّ الشَّبابَ ورَيْعانَه
يُسَوِّدُ ما بيَّضَ القادمانِ

وهيهات يا عيشُ من رجْعة ٍ
بأغصانِكَ المائِلاتِ الدَّواني

لقد صَدع الشيْبُ ما بيننا
وبينك صَدْعَ الرِّداءِ اليماني

عليك السَّلام فكم ليلة ٍ
جَموحٍ دليلٍ خليعِ العنانِ

قَصَرْتُ بك اللَّهوَ في جانبيه
بِقَرْعِ الدُّفوفِ وعزَفِ القيانِ

وعَذْراءَ لمْ تَفْتَرِعْها السُّقاة ُ
ولا اسْتامها الشَّربُ في بيتِ حانِ

ولا احتَلَبَتْ دَرَّها أرْجُلٌ
ولا وَسَمَتْها بنارٍ يَدانِ

ولكنْ غَذَتْها بألبانِها
ضُروُعٌ يَحُفُّ بها جَدْولانِ

إلى أن تحوّل عنها الصِّبا
وأهْدى الفطام لها المرضعانِ

فأحسبها وهي مكروعة ٌ
تمجُّ سلافَتُها في الأَوانِ

عناقيد أخلافُها حُفَّلٌ
تدرّ بمثل الدّماء القَواني

فلم تَزَل الشمس مَشغولة ً
بصِبغَتها في بطُونِ الدِّنان

ترشّحها لِلِثامِ الرْجال
إلى أن تصدّى لها الساقيانِ

فَفَضّا الخواتِيم عن جَوْنة ٍ
صدُوفٍ عن الفحل بكرٍ عَوانِ

عجوزِ غذا المِسْكُ أصداغها
مضمَّخة الجلد بالزعفْرانِ

يطوفُ علينا بها أحْورٌ
يَداهُ مِنَ الكأسِ مَخضوبتانِ

لياليَ تحْسَبُ لي من سِنيَّ
ثمانٍ وواحدة ٌ واثنتانِ

غلامٌ صغير أخو شِرَّة ٍ
يطيرُ مَعي للهوى طائرانِ

جَرُور الإزارِ خَليع العِذَار
عليَّ لِعهد الصِّبا بُرْدتانِ

أصيب الذنوبَ ولا أتَقي
عقوبة َ ما يكتب الكاتبان

تَنَافَسُ فيَّ عيونُ الرّجالِ
وتعْثَرُ بي في الحُجول الغواني

فأقْصرت لما نَهاني المشيب
وأقْصَر عَن عَذليَ العاذلانِ

وعافتْ عَيوفٌ وأتْرابُها
رُنُوِّي إليها وملَّتْ مكاني

وراجعتُ لمّا أطار الشبابَ
غرابان عن مفْرقي طائِرانِ

رأتْ رجلاً وسَمَتْه السِّنونَ
بِرَيْبِ المشيب وريْبِ الزّمانِ

فَصَدَّت وقالت أخو شيبة ٍ
عديمٌ ألا بِئْسَتِ الحالَتانِ

فقلت كذلكَ من عَضَّهُ
من الدهر ناباه والمخلبانِ

وعُجْتُ إلى جَملٍ بازِلِ
رحيبٍ رحى الزور فحل هجانِ

سبوح اليدين طموحِ الحرانِ
غؤُولٍ لأنساعه والبِطانِ

فعضَّيت أعواد رحلي به
وناباه من زمَع يضربانِ

فلّما استقلَّ بأجْرانهِ
ولانَ على السير بعض اللِّيانِ

قطعتُ به من بلادِ الشآمِ
خُرُوقاً يضلُّ بها الهاديانِ

إلى مَلِكٍ من بني هاشمٍ
كريم الضّرائب سبْط البنانِ

إلى عَلم البأسِ في كفّه
من الجود عينان نضَّاختانِ