أعاذلُ ما غَنّيتُ عن المُدامِ ، - أبو نواس

أعاذلُ ما غَنّيتُ عن المُدامِ ،
فلا تُكْثِـر ملامَـة َ مستَهامِ

أعاذلُ ؛ ما هَجَرْتُ الكأسَ يوماً ،
ولا قَـصّرْتُ في طلَبِ الحرامِ

ولا استَبطَأْتُ نَفسي عن مُجونٍ،
ولا عَـطّلْتُ سمعي من مَـلامي

ولا استَصْـحَبْتُ في دهْـري لَئيماً ،
بَرئْتُ مِنَ اللّئيمِ إلى اللّئامِ

ولكِنّ الكِرامَ لَهُمْ صَفائي،
وقد يَصْبُو الكَريمُ إلى الكِرامِ

وشاطِرَة ٍ تَتيهُ بحُسْنِ وَجْهٍ،
كضَوْءِ البَرْقِ في جُنحِ الظّلامِ

رأتْ زِيَّ الغُلامِ أتَمّ حُسْناً،
و أدنى للفُسوقِ وللآثامِ

فما زالتْ تُصرِّفُ فيه ، حتى
حَكَتْهُ في الفِعالِ وفي الكَلامِ

و راحت تستطيلُ على الجواري،
بفضلِ في الشَّطارة ِ والغرامِ

تعافُ الدفَّ تكريها ، وفَتْكاً ،
وتَلْعَبُ للمجانَة ِ بالحَمامِ

ويَدْعوها إلى الطُّنْبورِ حِذْقٌ،
إذا دارَتْ مُعَتَّقَة ُ المُدامِ

وتَغدو للصّوالِجِ كلّ يوْمٍ،
وتَرْمي بالبَنادقِ والسّهامِ

تُرَجّلُ شَعرَها، وتُطيلُ صُدغاً،
وتَلْوي كُمَّها فعْلَ الغُلامِ

أنا ابنُ الخمر ما لي عن غِذاها
إلى وقتِ المنِيَة ِ من فِطامِ

أُجِلُّ عن اللَّئمِ الكأسَ ، حتى
كأنَّ الخمر تُعصَرُ من عِظامي

وأسْقيها مِنَ الفِتْيانِ مثْلي،
فتَخْتالُ الكَريمَة ُ بالكِرامِ