البؤرُ المتحركةُ - أمين الربيع

أنا يا قَصيدةُ رَغمَ جُرحي باسِمٌ
لِلِقاكِ، يحمِلُني إليكِ ذَهابي!

أقبلتُ من وطَني إليكِ لتُقبِلي
وكَسرتُ أصفادي لكي تَنسابي

عُمقَ العُيونِ أذبتُ كي تستَوطني
فترجَّلي نَحوي ولا تَرتابي

كي تُنبِتي منّي حُضورَكِ، إنّني
من غيرِ ظلِّكِ أستَظلُّ خَرابي

أفياءُ صَدرِكِ يا قَصيدةُ موطِني
منكِ الرَّحيلُ، إليكِ شَوقُ إيابي

ولِذا عَرجتُ إلى فضاءكِ دونَما
حَرَجٍ، لعلّي أستَعيدُ رِحابي

قد صِرتِ لي أهلاً وداراً، بعدما
عَقَرتْ بلادي صَبوَتي وشَبابي

ميراثُ حُزنكِ كُلُّ ما مَلَكت يَدي
يوماً، فما أربى رَصيدَ حِسابي!

منكِ انشَطَرتُ، إليكِ كانت دَعوتي
عُمْري المساءُ وأنتِ ومضُ شِهابي

أمتَصُّ زَيتَكِ كي أُخدِّرَ جَوْعَتي
فتَجوعُ فيَّ مرارتي وعَذابي

وأغَوصُ فيكِ لكي تَصيري لُحمَتي
فتَثورُ فيكِ حميَّةً أنسابي!

أرتَدُ نَحوَ جُذورِ تيهي ذاهِلاً
يرتاعُ نَبضي، يُشرِقُ استِغرابي!

أذوي، أمورُ، أشمُّ صوتي راكِباً،
تَهذي عُروقي، تنتَشي ألقابي

أنغطُّ، أطفو، ينحَني مُتقمَّصي،
ينهَدُّ قَعري، يُعشِبُ استرقابي

لا الحُزنُ يقتُلُني فترتاحُ الرؤى
لا القَتلُ يُشفي ظُلمتي وضَبابي

وطني المُهشَّمُ نازِفُ عُنوانُهُ
وأنا ببحرِ كآبةٍ أعصابي

الحُزنُ بوصِلتي، شِراعاتي الأسى،
قلعي الضَّياعُ، شواطئي أكوابي!

يا موطِني المُلتاعُ مما حولَهُ
فيكَ اغتِرابي، فيكَ آهُ مُصابي

فيكَ اقتِرابي ، فيكَ هَجْرُ مَلامِحي،
فيكَ المُنى، فيكَ انكِسارُ صَوابي!

أنتَ الضُّحى، أنتَ الحنادِسُ كشَّرَتْ
أنيابَها، أنتَ الرؤى بِشَرابي!

لولا دُموعُكَ ما بَكيتُ، تَصرُّماً،
لكن بَكيتَ فأسبَلت أهدابي

كم بِتَّ تَظلِمُني، وأُنصِفُ ظالِمي
،كم رُحتَ تُقصيني، وأفتحُ بابي!

ما الذَّنبُ ذَنبُكَ أنتَ قنديلُ الهوى،
غَسَقُ المشاعرِ، قُبلةُ الأحبابِ

الذَّنبُ ذَنبُ الشَّاربينَ دِماءنا
ودِماكَ، باسمِ تَقدُّمٍ خَلّابِ!

الآكليكَ، المُطعمينَ لُحومَنا
باسمِ ازدِهارِكَ ألأمَ الأغرابِ!

مِن أينَ تُبتَدَأُ الدَّفاتِرُ يا تُرى؟
والحُزنُ دَفقُ مَحابري وكِتابي!

عاتبتُ نفسي، أطرَقت إمساكتي،
رَفضَ انعِتاقي، مالَ ظِلُّ عِتابي!

أنتِ الحضارةُ يا قَصيدةُ فاسألي
عنّي، تَكوني زاجِلي وجَوابي

لا تصْمُتي، يبدو الكَلامُ مَتاهةً،
يَغبى، تهادي في الضَّياعِ، تَغابي!

أبدي جُموحَكِ،كرِّري شَغَفَ الصَّدى
قُودي صَهيلي، رتِّبي إعجابي

كفّايَ تُزعِجُني، أُريدُكِ جانِحاً
لا يستَقِرُ، تَقمَّصي أسبابي

رِفّي، ازرعي شَفَقَ التَّجارِبِ موسِماً
للمُعطَياتِ، تَبرعَمي بتُرابي

أصغي، اعكِسي قَلقَ المرايا، لوِّني
سينَ السُّؤالِ، تموكَبي بِخِطابي

ثوري غباشيٌّ أنا، أرقي المسالكُ
لا تُؤدّي، أرهِبي إرهابي!

تبدينَ خائِفةً وأبدو حالِماً،
ضُمّي المُحالَ، تَكوي كقِبابي

فيكِ التَّردُّدُ؟ فيَّ أضعافُ الَّذي
تَخشينَ، لكنّي سَللتُ حِربي

تمضينَ رُغمَ تَعطُّفي، لِمَ تَهرُبي
خَلفي؟ لِماذا تُنكِري إعرابي؟

تبدينَ مثلَ الآلِ، يَمحو بعضُهُ
بعضَاً، ولكنّي تَبِعتُ سَرابي

قلقي المُعاودُ أنتِ، من يهمي أنا،
صُدغي لهيبُكِ، وَقْعُهُ أحطابي!

لن أرجِعَ الخُطُواتِ لا تتَبسَّمي،
مَكراً، كُليني وامسَحي أنيابي!