أحتى إلى العلياءِ يا خطبُ تطمحُ - ابن الخياط

أحتى إلى العلياءِ يا خطبُ تطمحُ
وحَتَّى فُؤادَ المَجْدِ يا حُزْنُ تَجْرَحُ

أَكُلُّ بقاءٍ للفَناءِ مُؤَهَّلٌ
وكُلُّ حياة ٍ للحِمامِ تُرَشَّحُ

سَلَبْتَ فَلَمْ تَتْرُكْ لِباقٍ بَقِيَّة ً
فيا دَهْرُ هلاَّ بالأفاضِلِ تسمحُ

تجافَ عنِ المعروفِ ويحكَ إنَّهُ
لِما يُجْتَوى مِنْ فَاسِدٍ فِيكَ مُصْلِحُ

إذا كنتَ عنْ ذِي الفضلِ لستَ بصافحٍ
فَواحسْرَتا عَمَّنْ تَكُفُّ وَتصْفَحُ

خَلِيليَّ قَدْ كانَ الَّذِي كانَ يُتَّقى
فما عُذْرُ عينٍ لا تَجُودُ وتَسْفَحُ

قِفا فاقضِيا حقَّ المعالِي وقَلَّما
يَقُومُ بِه دَمْعٌ يَجُمُّ وَيطْفَحُ

فمنْ كانَ قبلَ اليومِ يستقبحُ البُكا
فَقَدْ حَسُنَ اليَوْمَ الَّذِي كانَ يَقْبُحُ

فلا رُزْءَ مِن هذا أعمُّ مُصِيبة ً
وَلا خَطْبَ مِنْ هذا أمَرُّ وأفْدَحُ

مُصابٌ لَوَ کنَّ اللَّيْلَ يُمْنَى بِبَعْضِ مَا
تَحَمَّلَ مِنْهُ المَجْدُ مَا كانَ يُصْبِحُ

وحُزنٌ تساوى الناسُ فيهِ وإنَّما
يَعُمُّ مِنَ الأحْزانِ ما هُوَ أبْرَحُ

تَرى السَّيْفَ لا يَهْتزُّ فِيه كآبَة ً
وَلا زاعِبِيَّاتِ القَنَا تَتَرَنَّحُ

فيا للمعالِي والعَوالِي لهالِكٍ
لهُ المجْدُ باكٍ والمَكارِمُ نُوَّحُ

مَضى مُذْ قَضى تِلْكَ العَشِيَّة َ نَحْبَهُ
وَما كُلُّ مغْبُوقٍ مِنَ العَيْشِ يُصْبَحُ

لغاضَ لَهُ ماءُ النَّدى وهوَ سائحٌ
وضَاق بهِ صَدْرُ العُلى وَهْوَ أفْيَحُ

ظَلِلْنا نُجِيلُ الفِكْرَ هَلْ تَمْنَعُ الرَّدَى
كتائِبُهُ واليومَ أرْبَدُ أكلحُ

فَما مَنَعتْ بُتْرٌ مِنَ البِيضِ قُطَّعٌ
ولا كَفَّ معروفٌ منَ الخيرِ أسجَحُ

وهيهاتَ ما يَثْنِي الحمامَ إِذا أَتى
جِدَارٌ مُعَلّى ً أوْ رِتاجٌ مُصَفَّحُ

وَلا مُشْرعاتٌ بالأسِنَّة ُ تَلْتَظِي
ولا عادِياتٌ في الأَعنَّة ِ تضْبَحُ

وَلا سُؤْدَدٌ جَمٌّ بهِ الخَطْبُ يُزْدَهى
وَلا نَائِلٌ غَمْرٌ بهِ القَطْرُ يُفْضَحُ

فَياللَّيالِي كَيْفَ أنْجُو مِنَ الرَّدَى
وَخَلْفِي وقُدَّامِي لَهُ أيْنَ أسْرَحُ

أأرجُو انتصاراً بعدَ ما خُذِلَ النَّدى
وآمُلُ عِزّاً والْكُرامُ تُطَحْطَحُ

أرى الإلفَ ما بَيْنَ النُّفُوسِ جَنى لَها
جَوانِحَ تُذْكى أوْ مَدامِعَ تَقْرَحُ

فَيا وَيْحَ إخْوانِ الصَّفَاءِ مِنَ الأسى
إذا ما اسْتَردَّ الدَّهْرُ مَا كانَ يَمْنَحُ

ومَنْ عاشَ يوماً ساءَهُ ما يسُرُّهُ
وَأحْزَنَهُ الشَّيْءُ الَّذِي كانَ يُفْرِحُ

عَزاءً جَلالَ المُلْكِ إنَّكَ لَمْ تَزَلْ
بفضلِ النُّهى في مقفلِ الخطب تفتَحُ

فذا الدَّهرُ مطوِيٌ علَى البُخْلِ بَذْلُهُ
يَعُودُ بِمُرِّ المَذْقِ حِينَ يُصَرِّحُ

يُساوِي لدَيهِ الفضْلَ بالنَّقْصِ جهلُهُ
وسيَّانِ للمكفوفُ مُمْسى ً ومُصْبَحُ

وَمِثْلُكَ لا يُعْطِي الدُّمُوعَ قِيادَهُ
ولوْ أنَّ إدْمانَ البُكا لكَ أرْوحُ

ولوْ كانَ يُبْكى كلُّ ميتٍ بقدرِهِ
إذاً عَلِمَتْ جَمَّاتُها كَيْفَ تُنْزَحُ

لَسالَتْ نُفُوسٌ لا دُمُوعٌ مُرِشَّة ٌ
وَعَمَّ حِمامٌ لا سقَامٌ مُبَرِّحُ

وما كنتَ إذْ تلْقى الخُطُوبَ بضارِعِ
لها أبداً أنّى وحلْمُكَ أرجَحُ

وَكَمْ عَصَفَتْ فِي جانِبَيْكَ فَلَمْ تَبِتْ
لهَا قلِقاً والطَّوْدُ لا يتزحزَحُ

وأيُّ مُلِمٍّ فِي علائِكَ يَرْتَقِي
وأيُّ الرَّزايا في صفاتِكَ يقدَحُ