أيا بَيْنُ ما سُلِّطْتَ إلا علَى ظُلْمِي - ابن الخياط

أيا بَيْنُ ما سُلِّطْتَ إلا علَى ظُلْمِي
ويا حُبُّ ما ابقيتَ منِّي سوى الوَهْمِ

فِراقٌ أتى في إثْرِ هجرٍ وما أذى ً
بأوجَعَ منْ كلمٍ أصابً على كَلْمِ

لقدْ كانَ لِي فِي الوجْدِ ما يُقنِعُ الضَّنى
وَفِي الهَجرِ ما يَغْنى بهِ البينُ عنْ غَشْمِي

ولكِنَّ دهراً أثخَنَتْنِي جِراحُهُ
إذا حَزَّ في جِلْدِي ألحَّ علَى عظْمِي

وإنْ كنتُ ممَّنْ لا يَذُمُّ سوى النَّوى
فإنَّ القِلى والصَّدَّ أجْدَرُ بالذَّمِّ

وما مَنْ رَمى مِنْ غيرِ عَمْدٍ فأقصدَتْ
نوافِذُهُ كمَنْ تَعَمَّدَ أنْ يرمِي

فيا قلْبُ كمْ تشقى بدانٍ ونازِحٍ
فشاكٍ إلى خَصْمٍ وباكٍ على رسْمِ

وحتّامَ أستشفِي مِنَ النّاسِ مِنْ بهِ
سَقامِي وأسْتَرْوي منَ الدَّمْعِ ما يُظْمِي

غريمي بدينِ الحبِّ هلْ أنت مُقتضى ً
وهلْ لفؤادٍ أتلَفَ الحُبُّ منْ غُرْمِ

أحِنُّ إلى سُقْمِي لعَلَّكَ عائدِي
ومِنْ كلفٍ أنِّي أحِنُّ إلى السُّقْمِ

وَبِي مِنْكَ ما يُرْدِي الجليدَ وإنَّما
لحبِّكَ أهوى أنْ يزيدَ وأنْ ينْمِي

ويا لائمي أنْ باتَ يُزْرِي بيَ الهَوى
عليَّ سَفاهِي لا عليكَ وَلِي حِلْمِي

أقلبُكَ أمْ قلبِي يُصدَّعُ بالنَّوى
وجِسْمُكَ يضْنى بالقَطِيعَة ِ أم جِسْمِي

ولا غَرْوَ أنْ أصبحْتَ غُفلاً مِنَ الهوى
فأنْكَرَتَْ ما بِي للصبابَة ِ من وَسْمِ

نُدوبٌ بِخَدِّي لِلدُّموعِ كأنَّها
فلولٌ بقلْبِي منْ مُقارَعَة ِ الهَمِّ

وعَائِبتي أنَّ الخُطوبَ برَيْنَنِي
ورُبَّ نَحِيفِ الجسْمِ ذُو سُؤْدَدٍ ضَخْمِ

رأَتْ أثَراً للنائِباتِ كما بَدا
مِنَ العَضْبِ ما أبقى بهِ الضَّرْبُ مِنْ ثلْم

فلا تُنْكِري ما أحدَثَ الدَّهْرُ إنَّما
نوائِبُهُ أقْرانُ كُلِّ فتى ً قرْمِ

ولا بُدَّ مِن وصلٍ تُسهِّلُ وعْرَهُ
وغى ً تنتِمِي فِيهاالسُّيوفُ إلى عَزْمِي

فرُبَّ مَرامٍ قدْ تعاطيْتُ وِرْدَهُ
فما ساغَ لِي حتّى أمرَّ لهُ طَعْمِي

وخَيْلٍ تمَطَّتْ بِي ولَيْلٍ كأنَّهُ
ترادُفُ وَفْدِ الهمِّ أو زاخِرُ اليمِّ

شققْتُ دُجاهُ والنُّجُومُ كأنَّها
قلائدُ نَظْمِي أوْ مساعِي أبي النَّجْمِ

إليكَ يمينَ المُلْكِ واصَلْتُ شدَّها
مُقلَقَلة الأعْلاقِ جائلَة َ الحُزْمِ

غوارِبُ أحْياناً طوالِعُ كُلَّما
هبطْنَ فضا سهلٍ علوْنَ مطا حزْمِ

تَميلُ بها الآمالُ عنْ كُلِّ مطْمَعٍ
دَنِيءٍ وتسْمو للطِّلابِ الَّذِي يُسْمِي

تَزُورُ امرَأً لا يُجتَنَى ثَمَرُ الغِنى
بمِثلِ نَداهُ الغَمْرِ والنّائلِ الجَمِّ

متى جئتَهُ والمعتَفُونَ ببابهِ
شَهِدْتَ بنُعمى كفِّهِ مصرَعَ العُدْمِ

إلى مُستبِدِّ بالفضائلِ قاسمٍ
لِهِمَّتهِ مِنْ نفسهِ أوفَرَ القِسْمِ

تُعدُّ عُلاهُ منْ مناقِبِ دهرِهِ
كعدِّكَ فضلَ اللَّيلِ بالقَمرِ التِّمِّ

وكَرَّمَهُ عنْ أنْ يُسَبَّ بمِثْلِهِ الزَّ
مانُ كمالٌ زَيَّنَ الجدَّ بالفَهْمِ

وجودٌ على العافِي وذَبٌّ عنِ العُلى
وصدٌّ عنِ الواشي وصفحٌ عنِ الجُرْمِ

ورُتْبَة ُ منْ لمْ يجعَلِ الحَظِّ وَحدَهُ
طريقاً إلى العالِي منَ الرُّتَبِ الشُّمِّ

تناوَلها استحْقاقُهُ قبلَ حَظِّهِ
وحامى عليها والمقادِرُ لمْ تحْمِ

وغيرُ بديعِ منْ بديعٍ مشيدٌ
لما شادَهُ والفَرْعُ يُنْمى إلى الجذْمِ

سقى الله عصْراً حافظَ ابنَ مُحمَّدٍ
بما في ثُغُورِ الغانِياتِ منَ الظَّلمِ

أغرُّ إذا ما الخطْبُ أعشى ظَلامُهُ
تبلَّجَ طلْقَ الرّأيِ في الحادِث الجهمِ

ترِقُّ حواشِي الدَّهْرِ في ظلِّ مجدِهِ
وتظْرُفُ منْهُ شيمَة ُ الزَّمَنِ الفدْمِ

ويكبُرُ قدْراً أنْ يُرى مُتكبِّراً
ويَعْظُمُ مجداً أنْ يتِيهَ معَ العُظْمِ

ويَكرُمُ عدْلاً أن يميلَ بهِ الهوى
ويَشْرُفُ نَفْساً أنْ يلَذَّ معَ الإثْمِ

ويُورِدُ عنْ فضلٍ عن نُهى ً
ويَصْمُتُ عنْ حِلْمٍ ويَنْطِقُ عنْ علْمِ

بدِيهة ُ رأيٍ في رويَّة ِ سُؤْدَدٍ
وإقدامُ عَزْمٍ في تأيُّدِ ذِي حزْمِ

خلائِقُ إنْ تَحوِ الثَّناءِ بأسرهِ
فما الفخرُ إلاّ نُهبَة ُ الشَّرَفِ الفَخْم

أبَرُّ على الأقوامِ مِنْ شَيْبَة ِ الحَيا
وأشهَرُ فِي الأيّامِ مِنْ شَيْبَة ِ الدُّهْمِ

أضاءَتْ بكَ الأوقاتُ والشَّمْسُ لمْ تُنِرْ
ورُوِّضَتِ الساحاتُ والغَيْثُ لمْ يهْمِ

وَشِدَّتْ أواخِي المُلكِ مِنكَ بأوْحَدٍ
بعيدِ عُرى العَقْدِ الوكيدِ مِنَ الفَصْمِ

فتًى لا تِصافِي طرْفَهُ لذَّة ُ الكرَى
ولا تَطَّبِي أجفانَهُ خُدَعُ الحُلْمِ

يُسَهِّدُهُ تشيِيدُهُ المَجْدَ والعُلى
وتَفْرِيجُ غَمّاءِ الحوادِثِ والغَمِّ

وغيرُ النَّجُومِ الزُّهْرِ يأْلَفُها الكَرى
ويعْدَمُها الإشراقُ في الظُّلَمِ العُتْمِ

لقدْ شرَّفَ الأقلامَ مَسُّ أنامِلٍ
بكَفِّكَ لا تخْلُو مِنَ الجُودِ واللَّثْمِ

فكُلُّ نُحولٍ فِي الظُّبى حسَدٌ لَها
وكُلُّ ذُبُولٍ غيرَة ٌ بِالقَنا الصُّمِّ

وكنتَ إذا طالَبْتَ أمراً مُمنَّعاً
أفْدْتَ بِها ما يُعْجِزُ الحَرْبَ فِي السِّلْمِ

كفَيْتَ الحُسامَ الغَضْبَ فَلَّ غِرارهِ
وآمَنْتَ صَدْرَ السَّمْهرِيِّ مِنَ الحَطْمِ

وجاراكَ مَنْ لا فضْلَ يُنْجِدُ سعْيَهُ
وأيُّ کمْرِىء ٍ يبغِي النِّضالَ بِلا سَهْمِ

لكَ الذِّرْوَة ُ العَلْياءُ مِنْ كُلِّ مَفْخَرٍ
سَنِيٍّ ومَا لِلحاسدينَ سِوى الرُّغْمِ

وكيفَ يُرَجِّي نَيْلَ مَجْدِكَ طالِبٌ
وبينَهُما ما بينَ عرضِكَ والوَصْمِ

لئِنْ أوْحَدَتْنِي النّائباتُ فإنَّنِي
لِمَنْ سَيبْكِ الفَيّاضِ في عَسْكرٍ دَهْمِ

وإنْ لمْ أفِدْ غُنْماً فَقُرْبُكَ كافِلٌ
بأضعافهِ حَسْبي لِقاؤُكَ مِنْ غُنْمِ

هجرْتُ إليكَ والعالمينَ محبّة ً
وَمِثلُكَ مَنْ يُبْتاعُ بالعُرْبِ والعُجْمِ

وما قَلَّ مَنْ تَرْتاحُ مَدْحِي صِفاتُهُ
ولكِنْ رأيتُ الدُّرَّ أليَقَ بالنَّظْمِ

أرى نيلَ أقوامٍ وآبى امتِنانهمْ
وليْسَ تَفِي لي لذَّة ُ الشُّهْدِ بالسُّمِّ

فهلْ لكَ أنْ تنتاشَنِي بصَنِيعَة ٍ
يلينُ بها عُودُ الزَّمانِ على عُجِمِي

تَحُلُّ محلَّ الماءَ عِندي مِن الثَّرى
وأشْكُرُها شُكْرا الرياضِ يدا الوَسْمِي

أقَرَّ ذَوُو الآدابِ طُراً لِمَنطِقي
وغيرُهُمُ فيما حكى كاذِبُ الزَّعْمِ

فلسْتُ بمحتاج على ما ادَعيتُهُ
إلى شاهِدٍ بعدَ اعتِرافٍ مِنَ الخَصْمِ

تُطِيعُ القوافِي الآبِياتُ قرائِحي
وينزِلُ فيهنَّ الكلامُ عَلى حُكْمِي

وسيّارَة ٍ بكْرٍ قصَرْتُ عِنانَها
فطالَتْ بهِ والخَيْلُ تمرَحُ فِي اللُّجمِ

نَمى ذِكرُها قبلَ اللِّقاءِ وإنَّما
يسُرُّكَ بوحِي بالمحامِدِ لاكتْمِي

كمخْتومة ِ الدّارِيِّ نَمَّ بِفَضْلِها
إليكَ شَذاها قبلَ فَضِّكَ لِلْخَتْمِ

حَدِيثَة ُ عَصرٍ كُلَّما امْتدَّ دَهْرُها
سَما فخرُها حتّى تطولَ على القُدْمِ

وما فَضلُ بِنتِ الكرْمِ يوْماً بِبيِّنٍ
إذا لمْ يطُلْ عهْدُ کبْنة ِ الكرْمِ بالكَرْمِ