سَلْ عَنْ فَضائِلِكَ الزَّمانَ لِتُخْبَرا - ابن حيوس

سَلْ عَنْ فَضائِلِكَ الزَّمانَ لِتُخْبَرا
فنطيرُ مجدكَ ما رآهُ وَلاَ يرا

أوْ لاَ فدعهُ وَادعِ الشرفَ الذي
أعيا الأنامَ فلستَ تلقى منكرا

ما احتاجَ يوماً أنْ يقامَ بشاهدٍ
حقٌّ أزالَ الشكَّ وَاجتاحَ المرا

وَلقدْ جمعتَ مناقباً ما استجمعتْ
مَشْهُورَة ً ما اسْتَعْجَمَتْ فَتُفَسَّرا

وَمَلَكْتَ أَهْوَاءَ النُّفُوسِ بِأَنْعُمٍ
عَمَّتْ فَأَيْسَرُ حَقِّها أَنْ تُشْكَرا

مَنٌّ يَلُوحُ عَلَى الجِبَاهِ مُسَطَّراً
وَهَوَى ً يَظَلُّ عَلَى القُلُوبِ مُسَيْطِرا

لوْ لمْ تملككَ الأمورُ قيادها
ضعفتْ قوى ً مما عرا وَوهتْ عرى

فطلِ الكرامَ فأنتَ أثبتهمْ قرا
في حملِ نائبة ٍ وَأعجلهمْ قرى

لَسَهِرْتَ فِي حِفْظِ الذِّمارِ وَإِنَّهُ
مَجْدٌ لَدُنَّكَ أَنْ يَنامَ وَتَسْهَرا

فَالسِّلْمُ مِثْلُ الحَرْبِ مُنُذُ تُخُوِّفَتْ
وَثَباتُ بَأْسِكَ وَالإِقَامَة ُ كَالسُّرى

ما كَانَ هذَا الأَمْرُ مَظْنُوناً وَلاَ
مُتَوَهَّماً فَجَعَلْتَهُ مُسْتَشْعَرا

قَدْ فاقَ جَدُّكَ جَدَّ عَمِّكَ وَهْوَ مَنْ
ذَلَّتْ لِسَطْوَة ِ عِزِّهِ أَسْدُ الشَّرى

إِنْ كانَ هذَا الجَدُّ أَرْدى تُبَّعاً
خَوْفاً وَذَاكَ الجِدُّ رَوَّعَ قَيْصَرا

فَکفْخَرْ فَأَنْتَ السَّيْفَ يفْرِي مُغْمداً
قممَ العدى وَالليثُ يفرسُ مخدرا

جَرَّدْتَ رَأْيَكَ وَالسُّيُوفُ مُقَرَّة ٌ
بِغُمُودِهَا فَكَفَيْتَها أَنْ تُشْهَرا

وَلَوِ الوَغى شُّبَّتْ كَفَيْتَ مُصالِتاً
كَيْدَ الطُّغَاة ِ كَما كَفَيتَ مُدَبِّرا

لمِ لاَ تعزُّ وأنتَ غرة ُ أسرة ٍ
ضَمِنَتْ لَها النَّخوَاتُ ألا تُقْهَرا

قدْ أصبحَ اسمكَ عنْ قراعكَ نائباً
وَكفى العدوَّ مروعاً أنْ تذكرا

لِلْدَّوْلَة ِ الغَرَّاءِ مِنْكَ ذَخِيرَة ٌ
جَلَّتْ فَحُقَّ لِمِثْلِهَا أَنْ يُذْخَرا

يا سَيْفَها المَا ضِي وَنَاصِرَها أفْتَخِرْ
بِمَكَانِكَ الأَعْلى عَلَى كُلِّ الوَرى

إِنَّ الخَلاَئِفَ مُذْ بَلَوْكَ نَصاحَة ً
جَعَلُوا لَكَ الشَّرَفَ الرَّفِيعَ مُقَرَّرا

وَصَّى بِذَاكَ الحَاكِمُ العَدْلُ أبْنَهُ
قدماً وَأوصى الظاهرُ المستنصرا

ضَنّاً بِمَنْ يَغْشى الوَغى مُتَبَرِّجاً
وَتَفُوحُ رَيَّاها فَتُحْسَبُ عَنْبَرا

مَحْضُ الإِبَاءِ مِنَ النَّزَاهَة ِ كُوِّنَتْ
أَفْعَالُهُ وَمِنَ النَّباهَة ِ صُوِّرا

قَلْبٌ لَها بِالنُّسْكِ عَنْ ذِكْرِ الخَنا
وَلُهى ً أُبَتْ لِلْوَفْرِ أَنْ تَتَوَفَّرا

لوْ لمْ يفضْ ذهبَ الثناءُ إضاعة ً
أوْ لاَ فكانَ بضاعة ً لا تشترى

يابْنَ الأُلى قَالَتْ لَهُمْ أَفْعَالُهُمْ
لاَ يستحقُّ سواكمُ أنْ يفخرا

العارضينَ إذا الكريهة ُ عارضتْ
فَوْقَ المَعارِفِ كُلَّ لَدْنٍ أَسْمَرا

بينَ الأسنة ِ وَالأعنة ِ ذبلٌ
لاَ تَكْسِرُ الأَعْدَاءَ حَتّى تُكْسَرا

ورودا بهنَّ منَ الدروعِ غدائراً
يأبى تحطمها بها أنْ تصدرا

ما ضَرَّ مَنْ أَصْبَحْتَ تَكْلأُ شامَهُ
بمضاءِ عزمكَ أنْ يغيبَ وَتحضرا

ما خَصَّ خالِقُنا بِقُرْبِكَ بَلْدَة ً
إلاَّ أتاحَ لها الصلاحَ الأكبرا

قدْ كنتَ بالإسكندرية ِ مرة ً
فأريتها منْ عدلكَ الإسكندرا

يَبْغِي العِدى إِطْفَاءَ نارِكَ ضِلَّة ً
فيزيدها هذا الفعالُ تسعرا

فتقدمِ الأمراءَ غيرَ منازعٍ
فوراءَ زندكَ كلُّ زندٍ قدْ ورى

إِنْ حَاوَلُوا إِدْرَاكَ سَعْيِكَ خُيّبُوا
فَليُشْبِهُوكَ تَصَوُّناً وَتَصَوُّرا

مَابَينَ مَجْدِكَ وَالمُحَاوِلِ نَيلَهُ
إلاَّ كما بين الثريا وَالثرى

أصبحتَ منقطعَ القرينِ فلوْ جرى
وَهْمُ المُنَافِسِ فِي مَدَاكَ تَقَطَّرا

أَمَّا الصِّيامُ فَقَدْ قَضَيتَ فروضَهُ
بِقَضِيَّة ٍ مَا حُلْتَ عَنْهَا مُفْطِرا

لما أقامَ لديكَ حلَّ موقرا
وَقَدْ اسْتَقَلَّ بِشُكْرِ صُنْعِكَ مُوقَرا

شهرٌ نمتْ بركاتهُ فتهنهُ
حَتّى لَقَلَّدَ مِنَّة ً لَنْ تُكْفَرا

شهرٌ بهِ نزلَ الكتابَ وَجاءنا
فِيهِ الكِتَابُ بِمَ يَسُرُّكَ مُخْبِرا

خبرٌ تقدمهُ إلينا عرفهُ
حتى أتى قبلَ البشيرِ مبشرا

حياكَ قبلَ قدومهِ بنسيمهِ
فكأنهُ إذْ جاءَ جاءَ مكررا

لوْ لمْ يفضَّ عنِ الكتابِ ختامهُ
أَغْنَاهُ طَيِّبُ نَشْرِهِ أَنْ يُنْشَرا

قَدِمَتْ بِمَقْدَمِهِ سَعَادَاتُ المُنى
وَبِهِ تَسَالَمَتِ النَّوَاظِرُ وَالكَرى

أبداً معدٌّ عندَ عدَّ ثقاتهِ الـ
ـمستخلصينَ لهُ أعدَّ الخنصرا

وَاختارَ منْ تاجِ الرياسة ِ منْ بهِ
فاقَ الأئمة َ فكرة ً وَتخيرا

منْ نابَ فخرُ الملكِ عنهُ فلمْ يزلْ
لِلْملْكِ بِالأَمْرِ العَظِيمِ مُظَفَّرا

إنَّ الوزارة َ مذْ تحلتْ باسمهِ
عزتْ ذرى ً في ظلهِ وَعلتْ ذرى

أَفْضَى إِلى المُتَهَلِّلِ العَذْبِ الجَنى
ما فَارَقَ المُتَجَبِّرَ المُتَكَبِّرا

شكراً لما فعلَ الزمانُ وَمنْ لنا
لوْ كانَ قدمَ مجملاً ما أخرا

فَکسْعَدْ بِعِيدٍ يَتْبَعُ النَّبَأَ الَّذِي
أطرا لنا فعلَ الليالي إذْ طرا

وَتملَّ عمرَ أبي عليًّ إنهُ
فرعٌ أنافَ فجاءَ يحكي العنصرا

قدْ همَّ أنْ يرقى محلكَ بلْ رقا
وَسَعى لِيُحْرِزَ مَأْثُرَاتِكَ بَلْ جَرى

هَوِيَ الجَمِيلَ فَفاقَ مِثْلَكَ مَخْبَراً
وَحَوى الجَمَالَ فَرَاقَ مِثْلَكَ مَنْظَرا

وَمَضَتْ عَزَائِمُهُ وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ
لاِبْنِ الغَضَنْفَرِ أَنْ يَكُونَ غَضَنْفَرا

فليلحقِ النعمانَ في سلطانهِ
بلْ فليطلهُ فقدْ علوتَ المنذرا

سهلتَ لي نهجَ الغنى معَ أنني
لمْ ألقهُ فيما مضى متوعرا

لكنْ أنلتَ وَدوحُ حالي مزهرٌ
فسقيتهُ بنداكَ حتى أثمرا

جودٌ كفى الآمالَ أولَ وهلة ٍ
ما كانَ مستقصى ً وَلاَ مستقصرا

إنْ راقكَ السكرُ الحلالُ فإنني
سأديرُ كاساتِ الثناءِ لتسكرا

سُكْراً لَوَ أنَّ أَبا نُوَاسٍ ذَاقَهُ
يوماً لأنساهُ سلافة َ عكبرا

مِنْ بَحْرِ فِكْرِي تُقْتَنى الدُّرَرُ الَّتي
أَعْيَتْ نَظَائِرُها عَلَى مَنْ فَكَّرا

فلأنظمنَّ لذا العلاءِ قلائداً
متضمناتٍ ذا الكلامَ السيرا

تَبْدُو لِرَائِيها فَتُحْسَبُ جَوْهَرا

شَرُفَتْ لَدَيْكَ مَطَالِبي وَمَكَاسِبِي
فغدوتُ منْ وفرٍ وَفخرٍ مكثرا

وَهجرتُ أملاكَ الزمانِ مواصلاً
هذَا الجَنَابَ وَحُقَّ لِي أَنْ أَهْجُرا

لَوْ رُمْتُ نَيْلَكَ عِنْدَهُمْ لَعَدِمْتُهُ
أَوْ رُمْتُ مِثْلَكَ فِيهِمُ لَتَعَذَّرا

ساجلْ براحتكَ البحارَ فإنها
بَحْرٌ تَضَمَّنَ مِنْ بَنَانَكَ أَبْحُرا

وَأسْلَمْ لِمَعْرُوفٍ رَفَعْتَ مَنَارَهُ
فَفَشَا بِأَرْضِكَ مُذْ قَمَعْتَ المُنْكَرا

وَأبْجَحْ بِأَنَّكَ ذُو الأَحَادِيثِ الَّتي
ظَلَّ الزَّمَانُ بِنَشْرِها مُتَعَطِّرا