أَمَّا وَظِلُّكَ مِمّا خِفْتُهُ وَزَرُ - ابن حيوس

أَمَّا وَظِلُّكَ مِمّا خِفْتُهُ وَزَرُ
يُجِنُّنِي فَلْتُدِمْ غارَاتِها الغِيَرُ

إذا ظفرتُ بأنْ يرتاحَ جودكَ لي
فما لنائبة ٍ نابٌ وَلاَ ظفرُ

إِنِّي وَإِنْ لَمْ تَدَعْ لِي فِي غِنى ً أَرَباً
إلى عواطفَ تدني منكَ مفتقرُ

نامتْ عيونُ الورى عنْ كلَّ مكرمة ٍ
تَرْنُو إِلَيْها بِعَينٍ دَأْبُها السَّهَرُ

سَلَوْا عَنِ العِزِّ حُبَّاً لِلحَياة ِ فَلَمْ
يَجْنُوهُ أَقْعَسَ فِي حَيْثُ القَنا شَجِرُ

وَهونَ الحمدَ عزُّ عندهمُ
فَعَزَّ عِنْدَكَ حَتّى هانَتِ البِدَرُ

فما أخذتَ منَ الأحمادِ ما تركوا
حَتّى وَصَلْتَ مِنَ الإِنْعَامِ ما هَجَرُوا

خافُوا وَمِنْ دُونِ إِدْرَاكِ العُلى خَطَرٌ
يذودُ عنْ نيلهِ منْ مالهُ خطرُ

إِنَّ العَوَاصِمَ مُذْ جادَتْ يَدَاكَ بِها
فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلَيْها لِلْمُنى سَفَرُ

محلة ُ الأمنِ لاَ خوفٌ يمازجها
وَموطنُ العيشِ ما في صفوهِ كدرُ

أمنتها بعدَ أنْ مرتْ لها حقبٌ
وَمركبا أهلها التغريرُ وَالخطرُ

وَجُدْتَ مُجْدِبَها حَتّى لَقَدْ طَلَعَتْ
بَعْدَ الأُفُولِ الثُّرَيَّا وَالثَّرَى خِضَرُ

وَفاحَ عرفكَ فيها فاكتستْ ارجاً
نسيمها أبداً منْ نشرهِ عطرُ

فليسَ يدرى أشابَ المسكُ تربتها
أمْ باتَ يوقدُ في أرجائها القطرُ

للمجدِ كلُّ سبيلٍ أنتَ سالكهُ
وَللمحامدِ ما تأتي وَما تذرُ

وَفي زمانكَ خلى َّ الدهرُ عادتهُ
وَعَادَ مِنْ فِعْلِهِ المَذْمُومِ يَعْتَذِرُ

وَما تقدمتَ أهلَ الأرضِ قاطبة ً
حَتّى نَهَضْتَ بِمَا أَعْيَا بِهِ البَشَرُ

وَالبيضُ لوْ لمْ تميزها مضاربها
بِالقَطْعِ مَا قَصَّرَتْ عَنْ قَدْرِهَا الزُّبَرُ

أَبُوكَ أَنْسى بَنِي قَحْطَانَ حَاتِمهُمْ
جوداً وَجدكَ منْ عزتْ بهِ مضرُ

ما لُمْتُ قَوْمَيْهمَا إِلاَّ لأَنَّهُمُ
إذْ حانَ يومهما قلوا وًإنْ كثروا

لمْ يحفظوا الحقَّ منْ ماضٍ وَمقتبلٍ
حتى كأنهمُ غابوا وَإنْ حضروا

قومٌ رقوا هضباتِ البغيِ منْ حسدٍ
وَمَصْعَدُ البَغْيِ لَوْ يَدْرُونَ مُنْحَدَرُ

لوْ أنصفوا تبعوا غيثاً بصيبهِ
غنوا وَلمْ يخذلوا ملكاً بهِ نصروا

وَكَانَ لَمَّا التَقى الجَمْعَانِ بَيْنَهُمَا
ضَرْبٌ بِهِ حَلَقُ الماذِيِّ يَنْتَثِرُ

كَيَوْمِهِمْ بِعَزَازٍ إِذْ مَضَوا قُدُماً
وَلَنْ أَخِفَّ إِلى جَدْوى وَإِنْ كَثُرَتْ

ذاكَ المقامُ لنصرٍ آية ٌ ظهرتْ
لمْ يؤتها قبلهُ بدوٌ وَلاَ حضرُ

وَقدْ تضاعفَ عزٌّ أنتَ وارثهُ
كَمَا تَضَاعَفَ نَبْتٌ جَادَهُ المَطَرُ

وَقارَعَتْ عَنْ ثُغُورِ المُسْلِمِينَ قَناً
سمرٌ مواردها اللباتُ وَالثغرُ

أَطَعْتَ شارِعَ دِينٍ أَنْتَ ناصِرُهُ
فَصَارَ يَجْرِي بِما أَحْبَبْتَهُ القَدَرُ

وَصَانَعَتْكَ مُلُوكُ الرُّومِ حاذِرَة ً
خطباً إذا ما عرا لمْ ينفعِ الحذرُ

وَ عزمة ً لكَ لا تنبو مضاربها
عنِ العدا حينَ ينبو الصارمُ الذكرُ

ألوتْ بنجوة ِ منْ في طرفهِ خزرٌ
وَقَوَّمَتْ زَيْغَ مَنْ فِي خَدِّهِ صَعَرُ

مِنْ أَجْلِهَا سَلَّمُوا مَا أُودِعُوا فَرَقاً
وَلَوْ تَشَاءُ أَبَاحُوكَ الَّذي ادَّخَرُوا

وَهلْ يحيدونَ عنْ شيءٍ أمرتَ بهِ
وَبَعْضُ أَنْصَارِكَ التَّأْيِيدُ وَالظَّفَرُ

فَلْيَلْزَمُوا اللّقَمَ الوَضَّاحَ إِنْ طَلَبُوا
أَمْناً فَحَزْمُكَ لاَ يُمْشى لَهُ الخَمَرُ

تنأى المخاوفُ عنْ أكنافِ مملكة ٍ
بِنَاصِرِ الدِّينِ تَسْتَعْدِي وَتَنْتَصِرُ

وَيسكنُ الخصبُ في أرضٍ يحلُّ بها
تاجُ الملوكِ وَإنْ لمْ يسقها المطرُ

ثبتُ الجنانِ بحيثُ الصبرُ يلجئهُ
إلى مواردَ يحلو عندها الصبرُ

إنْ همَّ بالحربِ صدتهُ عزائمهُ
عما دعاهُ إليهِ الظلمُ وَالأشرُ

وَإنْ دعاهُ الندى مواهبهُ
وَلَمْ يَحُلْ دُونَهَا مَطْلٌ وَلاَ عُذُرُ

مِنْ مَعْشَرٍ طَالَمَا شَبُّوا بِكُلِّ وَغَى ً
ناراً رؤوسَ أعاديهمْ لها شررُ

وَصَابَرُوا الحَرْبَ تَكْذِيباً لِقَائِلِهِمْ
" وَقيسُ عيلانَ منْ عاداتها الضجرُ "

منْ كلَّ منْ تنتضي منهُ حفيظتهُ
سَيْفاً لَهُ الأَثَرُ المَحْمُودُ وَالأُثُرُ

مُعَظَّمُونَ يُطِيعُ النَّاسُ أَمْرَهُمْ
وَلاَ يطيعونَ للأملاكِ إنْ أمروا

وَلاَ يُخُوَّفُ مَنْ رَاعَوْا وَمَنْ مَنَعُوا
وَلاَ يعنفُ منْ راعوا وَمنْ قهروا

همْ قارنوا الحسنَ بالإحسانِ عنْ كرمٍ
حَتَّى تَشَابَهَتِ الأَفْعالُ وَالصُّوَرُ

وَأنتَ أمنعهمْ جاراً وَأبعدهمْ
مدى ً وَأطيبهمْ ذكراً إذا ذكروا

قدْ شاعَ ذكركَ في الدنيا برغمِ عدى ً
يَطْوُونَهُ مَا اسْتَطَاعُوا وَهْوَ يَنْتَشِرُ

فَهَلْ رِيَاحُ سُلَيْمَانٍ تَجُوبُ بِهِ الـ
ـبِلاَدَ أَمْ بَاتَ يَسْرِي بِکسْمِكَ الخَضِرُ

أيامكَ الغرُّ زادتْ بهجة ً فبها
هذا الزمانُ على َ الأزمانِ يفتخرُ

أمنٌ وَعدلٌ وَعفوٌ فالعدى حرضٌ
وَالظلمُ مرتدعٌ وَالذنبُ مغتفرُ

وَقَدْ أَضاءَتْ سَماءُ المَجْدِ إِذْ طَلَعَتْ
منْ مكرماتكَ فيها أنجمٌ زهرُ

لاَ يَبْلُغُ الغَيْثُ غِبَّ المَحْلِ غايَتَهَا
وَلاَ ينالُ مداها وَهوَ منهمرُ

تُزْجِي سَحائِبَ جُودٍ جَودُها مِنَنٌ
تسقي رياضَ ثناءٍ تربها الفكرُ

مَحَوْتَ ذِكْرَ الكِرَامِ الأَوَّلِينَ بِها
وَالسَّيْلُ ما غَرِقَتْ فِي فَيْضِهِ الغُدُرُ

تَفْدِيكَ أَرْوَاحُ أَقْوَامٍ مَتى بَخِلُوا
أنْ يفتدوكَ بها لؤماً فقدْ كفروا

جَلَتْ سُيُوفُكَ عَنْهُمْ كُلَّ دَاجِيَة ٍ
لَمْ يَجْلُها عَنْهُمُ شَمْسٌ وَلاَ قَمَرُ

ببرئكَ اجابتِ اللأواءُ عنْ أمم
لَوْلاَ حَياتُكَ لَمْ يَحْسُنْ لَها النَّظَرُ

وَهلْ شفاؤئكِ إلاَّ رحمة ٌ لهمُ
فَلْيَشْكُرُوا اللّهَ وَلْيُوفُوا بِما نَذَرُوا

إذا عدتكَ الليالي في تصرفها
فكلُّ حادثة ٍ جاءتْ بها هدرُ

وَالمُسْلِمُونَ بِخَيْرٍ ما سَلِمْتَ لَهُمْ
يُرْجى وَيُخْشى لَدَيكَ النَّفْعُ وَالضَّرَرُ

لاَ يَعْدَمُوا سَطَواتٍ طالَمَا رَدَعَتْ
مَنْ لَيْسَ يَرْدَعُهُ الآياتُ وَالنُّذُرُ

أَهْلُ السَّلاَمَة ِ فِي أَمْنٍ وَفِي دَعَة ٍ
ما حطتهمْ ولأهلِ الظلمِ مزدجرُ

ذللتَ لي الخطبَ حتى صرتُ أذعرهُ
وَحْدِي إِذَا عَجِزْتَ عَنْ حَرْبِهِ الأُسَرُ

وَأَثْمَرَتْ فِيْكَ آمالِي وَلَوْ قَصَدَتْ
سِوَاكَ كَانَتْ غُصُوناً مالَهَا ثَمَرُ

فَلْيَيْأَسِ الطَّالبُوا مَدْحِي فَمَطْلَبُهُ
إِلاَّ عَلَى مَنْ كَفَانِي بَذْلَهُ عَسِرُ

ظَنُّوا نَوَالَهُمُ قَصْدِي وَمُمْتَنِعٌ
أَنْ يَأَكُلَ البازُ مِمَّا يَأْكُلُ النُّغَرُ

لنْ أجعلَ الحمدَ ذخراً عندَ غيركَ لي
منْ فازَ باغمرِ لمْ يصلحْ لهُ الغمرُ

وضلنْ أخفَّ إلى جدوى وَإنْ كثرتْ
أَنَّى وَظَهْرِي بِما حَمَّلْتَنِي وَقِرُ

حسبي إذا أنا فاخرتُ الورى حسباً
أني بخدمة ِ هذا الملكِ أفتخرُ

بكلَّ عذراءَ يطغيها تبرجها
وَمنْ صفاتِ الحسانِ الخردِ الخفرُ

منَ السوائرِ في الأفاقِ قدْ جمعتْ
مِنْ مَأْثُرَاتِكَ مَالاَ تَجْمَعُ السِّيَرُ

تَحْوِي الصَّحَائِفُ مِنْهَا كُلَّمَا كُتِبَتْ
عَرْفاً هُوَ المِسْكُ لاَ مَا تَضْمَنُ العِتَرُ

إِنْ قَصَّرَتْ دُونَ مَا تُولِي فَلَيْسَ بِهَا
وَأَنْتَ تَعْلَمُ عَنْ نَيْلِ السُّهى قِصَرُ

فاقتْ هباتكَ أوفى ما أقولُ فما
أَسْرَفْتُ فِي الشُّكْرِ إِلاَّ قِيلَ مُخْتَصِرُ

متى أكافيءُ ما خولتَ منْ نعمٍ
وَالمدحُ في جنبِ ما خولتَ محتقرُ

بقيتَ ما دامتِ الأعيادُ عائدة ً
مخلدَ ممدوداً لكَ العمرُ

وَلاَ عَدَاكَ ثَناءُ المادِحِينَ فَكَمْ
قَدَّتْ فَقارَ حَسُودٍ هذِهِ الفِقَرُ