سَما بِكَ دَهْرُكَ فَلْيَفِتَخِرْ - ابن حيوس

سَما بِكَ دَهْرُكَ فَلْيَفِتَخِرْ
عَلى كُلِّ دَهْرٍ مَضى أَوْ غَبَرْ

فَلَوْ أَنَّ أَيَّامَهُ أَوْجُهٌ
لَكَانَتْ مَسَاعِيكَ فِيها غُرَرْ

وَكَمْ جَدَّ مُجْتَهِدٌ فِي طَلاَبِ
عُلاَكَ فَلَمْ يَكْتَحِلْ بِالأَثَرْ

وَأَيْنَ الثِّمادُ مِنَ الرَّافِدِيْنَ
وَأَيْنَ مِنَ الفَرْقَدَيْنِ السَّمَرْ

كَأَنَّكَ أَحْكَمْتَ رَيْبَ الزَّمَانِ
وَسُقْتَ إِلى ما تَشاءُ القَدَرْ

بصرفِ اعتزامكَ صرفُ الخطوبِ
وَكَفَّ انْتِقَامِكَ كَفُّ الغِيَرْ

وَطاوعكَ الدهرُ فيمن تريدُ
فمنْ شئتَ ساءَ وَمنْ شئتَ سرّْ

هَنَاكَ أنْفِرَادُكَ بْالمُعْجِزَاتِ
وَيومكَ ذا فهوَ يومٌ أغرّْ

وَهذا السدلى الذي ما سما
لهُ ملكٌ في قديمِ العصرْ

رَفَعْتَ لَهُ قُبَّة ً أَصْبَحَتْ
تطولُ على ما علا وَاشمخرّْ

إذا ما بدتْ في الدجى خلتها
مرصعة ً بالنجومِ الزهرْ

وَفي الدجنِ تحسبها كاعباً
عَلَيْهَا السَّحَائِبُ مِثْلُ الأَزُرْ

تُرَاعُ لَهَا الشَّمْسُ عِنْدَ الطُّلُوعِ
فَلَوْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا لَمْ تُنِرْ

وَلَوْ رَاءَهَا البَدْرُ فِي تِمِّهِ
وَكانتْ لهُ قدرة ٌ لاستترْ

فَصَارَ لَهَا عَلَماً فِي البِنَاءِ
كَسِيرَة ِ صَاحِبِهَا فِي السِّيَرْ

فَإِيوَانُ كِسْرى وَإِنْ أَعْجَزَ الـ
ـبرية َ في جنبهِ محتقرْ

وَكُلُّ بِنَاءٍ بَنَتْهُ المُلُوكُ
حَدِيثٌ عَلاَ وَقَدِيمٌ دَثَرْ

وَقَلَّ مَقَرّاً عَلَى ذِي الصِّفَاتِ
لمنْ نصرَ الدينَ لما انتصرْ

فأضحتْ عرى الحقَّ في ظلهِ
برغمِ العدى محكماتِ المررْ

لمنتجبِ الدولة ِ المصطفى الـ
ـمُظَفَّرِ سَيْفِ إِمَامِ البَشَرْ

مَآثِرُ تُخْبِرُ عَنْ أَصْلِهِ
وَما نسبَ السيفَ مثلُ الأثرْ

وَكمْ قدْ بغاها الملوكُ الألى
فَأَعْيَتْ عَلَى بَدْوِهِمْ وَالحَضَرْ

وَلوْ يظفرونَ لعمري بها
لَكَانَتْ لِتِيجَانِهِمْ كَالدُّرَرْ

شَآهُمْ إِلى المَجْدِ ذُو هِمَّة ٍ
بِبَاعِ المَجَرَّة ِ عَنْهَا قِصَرْ

تَضِلُّ مَنَاقِبُهُمْ فِي عُلاَهُ
كَمَا ضَلَّ فِي الرِّيحِ سَافِي العَفَرْ

وَيَغْرَقُ جُودُهُمُ فِي نَدَاهُ
كما غرقتْ في الأتيَّ الغدرْ

وَأَنَّى يُسَامِي سَحَابَ السَّما
ءِ فِي الأَرْضِ مِنْهُ الحَيَا المُنْهَمِرْ

وَيُزْجِي الظَّعائِنَ صَوْبُ البُرُوقِ
وَبِشْرُكَ ذَا بَارِقٌ لاَ يَغُرْ

أَمَرَّ أرْتِيَاحُكَ حَبْلَ الرَّجا
إِلى أَنْ حَلاَ لِلْمُنى ما أَمَرْ

وَغادرتَ في كلَّ أرضٍ مررتَ
بِها أَثَراً يا لَهُ مِنْ أَثَرْ

أبانيَ بالسيفِ أعليتها
وَلولاكَ ما قامَ منها حجرْ

مَحَوْتَ بِها أَثَرَ المُفْسِدِينَ
وَما ليس تجبرُ لاَ ينجبرْ

كذا يبلغُ العزَّ منْ رامهُ
وَيعمرُ أوطانهُ منْ عمرْ

لَئِنْ حَمَلَ الوِزْرَ فِيها العِدى
فإنكَ مما جنوهُ الوزرْ

أَحَلُّوا مَحارِمَ مِنْ دُونِها
تَكادُ السَّموَاتُ أَنْ تَنْفَطِرْ

وَقدْ وَاردوكَ بحارَ الردى
وَكمْ واردٍ منهمُ ما صدرْ

رَضُوا بِالفِرَارِ حِذَارَ البَوَارِ
وَلَوْ شِئْتَ لَمْ يُنْجِ مِنْها المَفَرْ

فأذهلتهمْ عنْ طلابِ التراتِ
فَكَمْ مِنْ دَمٍ مَرَّ مِنْهُمْ هَدَرْ

وَما يقتضونكَ تلكَ الديونَ
وَلَوْ أَنَّهُمْ فِي عِدَادِ الشَّجَرْ

مَنِيَّتُهُمْ بِجِوارِ الصَّلِيبِ
وَمنْ لمْ تجرْ منهمُ لمْ يجرْ

وَقدْ ذلَّ منْ حاولوا نصرهُ
فَكَيْفَ يَعْزُّ بِهِ المُنْتَصِرْ

وَعَزَّ عَلَى الرُّومِ ما كُلِّفُوا
حمى ثغرَ الدينِ طعنُ الثغرْ

وَفِيمَا جَرى مِنْ طَرِيدَيْ ظُباكَ
على ملكهمْ لهمُ معتبرْ

وَبَعْضُ كِلاَبٍ وَهُمْ بَعْضُ مَنْ
قَهَرْتَ رَمَاهُمْ بِإِحْدى الكُبَرْ

وَقدْ يمموا الشامَ في قوة ٍ
يخرُّ لها الجبلُ المشمخرّْ

مئينَ ألوفٍ غزوا في مئينَ
فلمْ يلبثوا غيرَ لمحِ البصرْ

وَوَلَّوْا هَزِيماً حِذَارَ الرَّدى
وَهَلْ حَذَرٌ عاصِمٌ مِنْ قَدَرْ

بِيَوْمٍ تَكَنَّتْ كِلاَبٌ بِهِ
عَلى كُلِّ ذِي نَخْوَة ٍ مِنْ مُضَرْ

فألاَّ ثنوها حيالَ القصيرْ
وَعزمكَ يقدمُ تلكَ الزمرْ

وَقَدْ كَلَّ بَأَسُهُمُ وَالحَدِيـ
ـدُ خوفاً منَ الأسدِ المهتصرْ

وَوقعُ الظبى دونَ قرعِ العصا
وَوَخْزُ القَنا دُونَ نَخْسِ الإِبَرْ

وَما يَدْفَعُ الكَرُّ عَنْ أَهْلِهِ
إذا ضاقَ بالدراعينَ المكرّْ

ذعرتَ حماة َ الوغى منهمُ
كَما أنْذَعَرَتْ للِهِزَبْرِ الحُمُرْ

وَفِي أَيِّ يَوْمٍ شَهدْتَ الوَغى
وَما عُدْتَ تَسْحَبُ ذَيْلَ الظَّفَرْ

تجنبَ ذو الخبرِ هذا النزالَ
وَروعَ غيرَ الخبرْ

وَلَوْ شاجَروُكَ القَنا ضَلَّة ً
لطمَّ على الخبرِ المختبرْ

يقرُّ ببأسكَ أسدُ الشرى
إِذَا المَوْتُ عَنْ ناجِذَيْهِ فَغَرْ

فقدْ أحجمَ الناسُ عنكَ الغدا
ة َ أَهْلُ الفَيَافِي وَأَهْلُ المَدَرْ

وَقَائِعُ جَلَّى دَياجِيرَها
إِبَاؤُكَ ثُمَّ الحُسامُ الذَّكَرْ

بِها بانَ فَضْلُكَ لِلْعَالَمِينَ
وَبِاللَّيْلِ يُعْرَفُ فَضْلُ القَمَرْ

صفتْ في جنابكَ أيامنا
فَحاشى لها أَبَداً مِنْ كَدَرْ

وَحَسَّنْتَ بِالعَدْلِ أَوْطانَنا
وَلولاكَ ما حسنتْ مستقرّْ

فَشَيَّدَ رَبُّ العُلى ما بَنَيْتَ
وَ لاَ أَعْدَمَ الشَّامَ هذَا النَّظَرْ

وَكَمْ حَرَمٍ لَوْ نَأَيْتَ أسْتُبِيحَ
وَكمْ ثغرٍ لوْ بعدتَ انثغرْ

وَلَوْلاَ قِرَاعُكَ وَالمَكْرُمَاتُ
لَماتَ بِهِ النَّاسُ خَوْفاً وَضُرْ

جزيتَ المنيبينَ وَ المارقيـ
ـنَ بالخيرِ خيراً وَبالشرَّ شرّْ

فلسنا نفكرُ بالحادثاتِ
طَوى جَوْرَها عَدْلُكَ المُنْتَشِرْ

وَإنكَ أكرمُ ذي ثدرة ٍ
عفا وَتجاوزَ لما قدرْ

وَلِلْعُذْرِعِنْدَكَ إِيسَاعُهُ
قَبُولاً وَلِلْذَنْبِ أَنْ يُغْتَفَرَ

ففخراً بنيلكِ هذي الخلالَ
ففي عشرِ معشارها مفتخرْ

فضائلُ لمْ تجتمعْ في الورى
فسبحانَ جامعها في بشرْ

وَلَوْ خُلِقْتَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الـ
ـكتابُ أتى ذكرها في السورْ

فلاَ يرجُ ذو شرفٍ نيلها
فَإِنَّ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا خَطِرْ

وَمَا يَرْكَبُ الخَطَرَ المُسْتَهالَ
منَ القومِ إلاَّ العظيمُ الخطرْ

وَما يكملُ المرءُ حتى يكونَ
لَدى السِّلْمِ حُلواً وَفِي الحَرْبِ مُرّ

وَعذراءَ لما تلدها النساءُ
وَلَكِنَّهَا مِنْ بَنَاتِ الفِكَرْ

إذا رفعَ الخفرُ الغانياتِ
سَمَتْ بِالتَّبَرُّجِ لاَ بِالخَفَرْ

تَحَلَّتْ بَدَائِعَ حُرَّ الكَلاَمِ
كَمَا يَتَحَلّى القَضِيبُ الزَّهَرْ

وَجاءتكَ تثني بما قد أنلتَ
وَلِلْغَارِسِينَ اجْتِنَاءُ الثَّمَرْ

وَلَمْ آلُ جُهْداً كَمَا قَدْ تَرى
وَإِنِّي بِتَقْصِيرِ جَرْيِي مُقِرْ

وَمَا أَنَا مُثْنٍ عَلَى مَنْ عَدَاكَ
رَجَاءً لَهُ مَا تَمَادى العُمُرْ

نهاني عنِ الضيحِ قربُ الصريحِ
وَأنساني الغمرُ شربَ الغمرْ

وَجَادَتْ أَمَانِيَّ مِنْ رَاحَتَيْكَ
فلمْ يبقَ لي عندَ خلقٍ وَطرْ

أَيَادِيَ يَغْمِرُنِي جُودُهَا
كما غمرَ الأرضَ جودُ المطرْ

بِهَا أَقْلَعَ الدَّهْرُ عَنْ جُرْمِهِ
وَلَوْ لَمْ أَصِرْ فِي حِمَاهَا أَصَرْ

فَلِي بِالجَمِيلِ الَّذِي خَوَّلَتْ
لسانٌ يقرُّ وَعينُ تقرّْ

لَقَدْ سَارَ فِعْلُكَ بِي فِي الأَنَامِ
وَ لاَ عُذْرَ لِلْحَمْدِ إِنْ لَمْ يَسِرْ