أَتَرْوى وقد صَدَحَ الجُنْدُبُ - الأبيوردي

أَتَرْوى وقد صَدَحَ الجُنْدُبُ
غَرائِبُ أَخْطأَها المَشْرَبُ

تَمُدُّ إلى الماءِ أَعْناقَها
وَهُنَّ إذا وَرَدَتْ تُضْرَبُ

كَأَنَّ السَّماءَ لَها مَنْهَلٌ
عَليهِ مِنَ الحَببِ الكَوْكَبُ

فَلَيسَ إلى نَيْلِها مَطْمَحٌ
وَلا لِكَواكِبِها مَطْلَبُ

وَيَطْوينَ وَالرَّوْضُ في حُلَّة ٍ
يَجُرُّ رَفارِفَها الأَزْيَبُ

وَما العُشْبُ إلاّ القَنا تَرتوي
دَماً مِنْ أَنابيبِها يُسْكَبُ

فلا رِعْيَ عِنْدِيَ حَتّى يُباحَ
بِأَطْرافِها البَلَدُ المُعْشِبُ

رُوَيْدَكِ ياناقُ كَمْ تَذْكُرينَ
مُناخاً بِهِ اسْتَأْسَدَ الثَّعْلَبُ

يَهونُ الكَمِيُّ بِأَرْجائِهِ
وَيَقْلَقُ في غِمْدِهِ المِقْضَبُ

وَلَوْ كَفْكَفَ الدَّهرُ مِنْ غَرْبِهِ
طَغى في أَزِمَّتِهِ المُصْحِبُ

وَلَمْ يَنْتَجِعْ عَذَباتِ اللِّوى
إذا لاحَ بارِقُها الخُلَّبُ

يَرودُ بِتَيْماءِ حُوَّ التِّلاعِ
وقدْ خَانَها الزَّمَنُ الأَشْهَبُ

وَأَصْحَرْنَ عَنْ أَدَمٍ يَقْشَعِرُّ
كَما هُنِىء َ الجَمَلُ الأَجْرَبُ

فَمالِي أَحِلُّ رُباً لا يَشُدُّ
عِقالَ المَطِيِّ بِها الأرْكُبُ

وَما بيَ َعنْ غَايَة ٍ نَبْوَة ٌ
وَإنْ فَزِعَ الحَيُّ مِنْ غالِبٍ

فَإِنَّ يَدي دَرِبَتْ بالظُّبا
وَساعِدُها بالقَنا أَدْرَبُ

وَعِنْدي مِنَ الخَيْلِ ذو مَيْعَة ٍ
يَطوفُ بِقُبَّتِنا مُقْرَبُ

وَأُلْحِفُهُ البُرْدَ في شَتْوَة ٍ
تَغُضّ الهَريرَ لَها الأَكْلُبُ

إذا مَدَّ مِنْ نَبَراتِ الصَّهيلِ
ثَنى مِسْمَعَيْهِ لَهُ المُعْرِبُ

تَدّثَّرَهُ أَسَدٌ أَغْلَبُ

يَجُرُّ الدِّلاصَ غَداة َ الوَغى
كَما اعتَنَّ في مَشْيِهِ الأَنْكَبُ

وَلَوْ كُنْتُ أَبْغي بِنَفْسي العُلا
لأفْضَى إِليَّ بِها المَذْهَبُ

فَكَيْفَ أُداني الخُطا دُونَها
وَيَجْذِبُ ضَبْعي إليها الأَبُ

وَلي مَعْقِلٌ بِفِناءِ الوَزيرِ
يَروحُ إلى فَيْئِهِ المُعْزِبُ

وَيَخْجَلُ مِنْ راحَتيهِ الغَمامُ
إذا دَرَّ نائِلُهُ الصَّيِّبُ

أَتَى في السَّمَاحَة ِ مَالَمْ يَدَعْ
لأهْلِ النَّدى سِيرَاً تُعْجِبُ

فَأَوَّلُ أفْعالِهِمْ آخِرٌ
وَبِكْرُ مَكارِمِهِمْ ثَيِّبُ

وَأَفْضَى إلى أَمَدٍ لَوْ جَرَتْ
إليهِ الصَّبا طَفِقَتْ تَلْغَبُ

مدى ً هَزَّ مِنْ دُونِهِ رُمْحَهُ السماكُ
وَإبْرَتَهُ العَقْرَبُ

وَكَيْفَ يُساجَلُ في سُؤْدَدٍ
حَواشِيهِ مِنْ عَلَقٍ تُخْضَبُ

وَأَدْنى عَطاياهُ مَلبونَة ٌ
تُباري أَعِنَّتَها شُزَّبُ

وَصُهْبٌ يَنُمُّ بِأَعْراقِها
إذا مابْتَذَلْنَ الخُطا، أَرْحَبُ

وغِيدٌ مِنَ التُّرْكِ مَكْحولَة ٌ
عُيوناً يُقَلِّبُها الرَّبْرَبُ

وَأَنّى يُسامِيهِ ذُو مَحْتَدٍ
مَضارِبُ أَعْراقِهِ تُؤْشَبُ

كَأَنَّ مُحيَّاهُ وَقْبُ الصَّفا
تَغْشَّى جَوانِبَهُ الطُّحْلُبُ

وَلَوْ شاءَ غادَرَ أَشْلاءَهُ
يُحَيِّي الضِّباعَ بِها الأّذْؤُبُ

لَشَدَّ بِكَ المُلْكُ أَطنابِهُ
وَكادَتْ دَعائِمُهُ تُسْلَبُ

وَعَزَّ بِكَ الشَّرْقُ حَتّى لَوى
إِليكَ أَخادِعَهُ المَغْرِبُ

تَفُلُّ بِرَأْيِكِ حَدَّ الحُسامِ
إذا اعتَكَرَ الرَّهْجُ الأَصْهَبُ

وَتَملأُ بِالخَيْلِ عُرْضَ الفضا
ءِ حتّى يَئِنَّ لَها السَّبْسَبُ

نِظامُ العُلا مُدَّ مِنْ شَوْطِها
نَوى ً بِالمُخِبيّنَ لا تُصْقِبُ

وَلَوْلاكَ ما رَوَّعَتْ صاحِبَيَّ
لِلْبَيْنِ أَغْرِبَة ٌ تَنْعَبُ

وَلا سانِحٌ هَزَّ مِنْ رَوْقِهِ
سَلِيماً، وَلا بارِحٌ أَعْضَبُ

فكيفَ الإيابُ وَمِنْ دونِهِ
مَوارِدُ، غُدرانُها تَنْضَبُ

وَمِنْ عَجَبٍ أنَّني في ذَراكَ
على الدَّهْرِ مِنْ حَنَقٍ أَغْضَبُ

فَأَنتَ الزَّمانُ، وَأَحوالُنا
إليكَ، إذا رَزَحَتْ، تُنْسَبُ