وَلَما صَفَا قَلْبي وَطَاَبتْ سَرِيرَتِي - عبد القادر الجيلاني

وَلَما صَفَا قَلْبي وَطَاَبتْ سَرِيرَتِي
وَنَادَمَنِي صَحْويِ بِفَتْحِ الْبَصِيرة

شَهِدْتُ بِأَنَّ الله مَوْلَى الْوِلاَيَةِ
وَقَدْ مَنَّ بِالتَّصْرِيفِ فِي كُلِّ حَالَةِ

سَقَانِي إِلهيِ مِنْ كؤوس شَرَابِهِ
فَأَسْكَرَنِي حَقَاً فَهِمْتُ بِسَكْرتِي

وحَكْمَنِي جِمْع الدِّنَانِ بِمَا حَوَى
وَكُلُّ مُلُوكِ الْعَالمِينَ رَعِيَّتي

وَفيِ حَانِنَا فادْخُلْ تَرَ الْكَأْسَ دَائِراً
وَمَا شَرِبَ العُشَّاقُ إِلاَّ بَقِيَّتي

رُفِعْتُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي الْحُبَّ فِي الْوَرَى
فَقَرَّبَني الْمَوْلَى وَفُزْتُ بِنَظْرَةِ

وَجَالَتْ خُيُولِي فِي الأَرَاضِي جَمِعَها
وَزُفَّتْ لِيَ الْكَاسَاتُ مِنْ كُلِّ وِجْهَةِ

وَدُقَّتْ لِي الْرَايَاتُ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَا
وَأَهْلُ السَّمَا والأَرْضِ تَعْلَمُ سَطْوتِي

وَشَاءُوسُ مُلْكِي سَارَ شَرْقاً وَمَغْرِباً
فَصِرْتُ لأَهْلِ الْكَرْبِ غَوْثاً ورَحْمَةِ

فَمَنْ كَانَ مِثْلِي يَدَّعِي فِكُمُ الْهَوَى
يُطَاوِلُني إنْ كَانَ يَقْوَى لِسَطْوَتِي

أَنَّا كُنْتُ في الْعُلْيَا بِنُور مُحَمَّدٍ
وَفِي قَابَ قَوْسَيْنِ اجْتِمَاعُ الأَحِبَّةِ

شَرِبْتُ بِكَاسَاتِ الغَرَامِ سُلاَفَةً
بِهَا انْتَعَشَت روحِي وَجِسْمِي وَمُهْجَتِي

وَصِرْتُ أَنَا السَاقِي لِمَنْ كَانَ حَاضِراً
أُدِيرُ عَلَيهِمْ كَرَّةً بَعْدَ كَرَّةِ

وَقَفْتُ بِبَابِ اللهِ وَحْدِي مُوَحِّدَاً
وَنُودِيتُ يَا جِيلاَنِيَ ادْخُلْ لِحَضْرتِي

وَنُوديتُ يَا جِيلاَنِيَ ادْخُلْ وَلا تَخفْ
عُطيتُ اللوا مِنْ قَبْلِ أَهْلِ الحَقِيقَةِ

ذِرَاعِيَ مِنْ فَوْقِ السَّمَواتِ كُلَّهَا
وَمِنْ تَحْتِ بَطْنِ الحُوتِ أَمْدَدْتُ رَاحَتي

وَأَعْلَمُ نَبْتَ الأَرضِ كَمْ هُوَ نَبْتَةٌ
وَأَعْلَمُ رَمْلَ الأَرْضِ عَدَّاً لِرَمْلَةِ

وَأَعْلَمُ عِلْمَ اللهِ أُحْصِي حُروفَهُ
وأَعْلَمُ مَوْجَ الْبَحْرِ عَدَّا لِمَوْجَةِ

وَمَا قُلْتُ هَذَا القَوْلَ فَخْراً وإنَّمَا
أَتَى الإِذْنُ حَتَّى تَعْرِفُوا مِنْ حَقِيقَتي

وَمَا قُلْتُ حَتْى قِيلَ لِي قُلْ وَلاَ تَخَفْ
فَأَنْتَ وَلِييِّ فِي مَقَامِ الْوِلاَيةِ

أَنَا كُنْتُ مَعْ نُوْحٍ أُشَاهِدُ فِي الْوَرَى
بِحَاراً وَطُوقَاناً عَلَى كَفِّ قُدْرَتي

وَكُنْتُ وَإِبْراهِيمَ مُلْقَىً بِنَارِهِ
وَمَا بَرَّدَ النِّيرانَ إِلاَّ بدَعْوَتِي

وَكُنْتُ مَعَ اسْمَعِيلَ في الذَّبْحِ شاهِدَاً
وَمَا أَنْزَلَ المَذْبُوح إِلاَّ بِفُتْيَتي

وَكُنْتُ مَعَ يَعْقُوبَ فِي غَشْوِ عَيْنِهِ
وَمَا بَرِئَتْ عَيْنَاهُ إِلاَّ بِتَفْلَتِي

وَكُنْتُ مَعَ إِدْرِيسَ لَمَّا ارْتَقَى الْعُلا
وَأُسْكِنَ فِي الْفِرْدَوْسِ أَحْسَنَ جَنَّةِ

وَكُنْتُ وَمُوسَى فِي مُنَاجَاةِ رَبِّهِ
وَمُوسَى عَصَاهُ مِنْ عَصَايَ اسْتَمَدَّتِ

وَكُنْتُ مَعَ أيِّوبَ في زَمَنِ الْبَلا
وَمَا بَرِئَتْ بَلْوَاهُ إلاَّ بِدَعْوَتِي

وَكُنْتُ مَعَ عِيسَى وَفِي الْمَهْدِ ناطِقَاً
وَأَعْطَيْتُ دَاوُداً حَلاَوةَ نَغْمَتِي

وَلِي نَشَأَةَ في الْحُبِّ مِنْ قَبْلِ آدمِ
وَسِرِّي سَرَى فِي الْكَوْنِ مِنْ قَبْلِ نَشْأَتِي

أَنَا الذَّاكِرُ المَذْكُورُ ذِكْراً لِذَاكِرٍ
أَنَا الشاكِرُ المَشْكُورُ شُكْراً بِنِعْمَتِي

أَنَا الْعَاشِقُ الْمَعْشَوقُ فِي كُلِّ مُضْمَرٍ
أَنَا السَّامِعُ الْمَسْمُوعُ فِي كُلِّ نَغْمَةِ

أَنَا الْوَاحِدُ الْفَرْدُ الْكَبِيرُ بِذَاتِهِ
أَنَا الْوَاصِفُ الْمَوْصُوفُ عِلْمُ الطَّرِيقَةِ

مَلَكْتُ بِلاَدَ اللَّهِ شَرْقَاً وَمَغْرِباً
وَإِنْ شِئْتُ أَفْنَيْتُ الأَنَامَ بِلَحْظَةِ

وَقَالَوا فَأَنْتَ الْقُطبُ قُلْتُ مُشَاهدُ
وَنَالٍ كِتَابَ اللهِ فِي كُلِّ سَاعَةِ

وَنَاظِرُ مَا فِي اللَّوْحِ مِنْ كُلِّ آيَةٍ
وَمَا قَدْ رَأَيْتُ مِنْ شُهُودٍ بِمُقْلَتِي

فَمْن كَانَ يَهْوَانَا يَجِي لِمَحَلِّنَا
وَيَدْخُلْ حِمَى السَّادَاتِ يَلْقَ الْغَنِيمَة

فَلاَ عَالِمٌ إِلاَّ بِعِلْمِيَ عَالِمٌ
وَلاَ سَالِكٌ إِلاَّ بِفَرْضِي وَسُنَّتِي

وَلاَ جَامِعٌ إِلاَّ وَلِي فِيهِ رَكْعَةٌ
وَلاَ مِنْبَرٌ إِلاَّ وَلِي فِيهِ خُطْبَتِي

وَلَوْلاَ رَسُولُ اللهِ بِالْعَهْدِ سَابِقٌ
لأَغْلَقْتُ أَبْوَابَ الْجَحِيمِ بِعْظمَتِي

مُرِيدِي لَكَ الْبُشْرَى تَكُونُ عَلى الْوَفَا
وَإِنْ كُنْتَ فِي هَمٍّ أُغِثْكَ بِهِمَّتي

مُرِيدِي تَمَسَّكْ بِي وَكُنْ بِيَ وَاثِقَاً
لأَحْمِيكَ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ

وَكُنْ يَا مُرِيدِي حَافِظَاً لِعُهُودِنَا
أَكُنْ حَاضِرَ الْميِزَانِ يَوْمَ الْوَقِيعَةِ

وَإِنْ شَحَّتِ الْميزَانُ كُنْتُ أَنَا لَهَا
بِعَيْنِ عِنَايَاتٍ وَلُطْفِ الْحَقِيقَةِ

حَوَائِجُكُمْ مُقْضِيَّةً غَيْرَ أَنَّنِي
أَرِيدُكُمُو تَمْشُون طُرْقَ الْحَمِيدَةِ

وَأَوْصِيكُمُو كَسْرَ النُّفُوسِ فإِنَّها
مَرَاتِبُ عِزِّ عِنْدَ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ

وَمَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِتَكَبُّرٍ
تَجِدْهُ صَغِيراً في عُيُونِ الأَقِلَّةِ

وَمَنْ كَانَ فِي حَالاتِهِ مُتَواضِعَاً
مَعَ اللهِ عَزَّتْهُ جَميعُ الْبَرِيَّةِ