عبسن من شعرٍ في الرأس مبتسمِ - علي بن محمد التهامي

عبسن من شعرٍ في الرأس مبتسمِ
ما نفَّرَ البيضَ مثلُ البيض في اللِّمم

ظنّت شبيبتهُ تبقى وما علمت
أنَّالشبيبة مرقاة ٌ إلى الهرمِ

ما شابَ عزمي ولا حزمي ولا خلُقي
ولا وفائي ولا ديني ولا كرمي

وإنما اعتاض رأسي غيرَ صبغته
والشّيبُ في الرأس دون الشّيب في الهمم

بالنفسِ قائلة في يوم رحلتنا
هواك عندي فسر إن شئتَ أو أقم

فبحتُ وجداً فلامتني فقلنَ لها
لا تعذليه فلم يلؤمُ ولم يَلُم

لمَّا صفا قلبهُ شفّت سرائرهُ
والشّيءُ في كل صافٍ غيرُ مكتتم

بعضُ التفرُّق أدنى للّقاء وكم
لاءمتَ شملاً بشملٍ غير ملتئم

كيف المقامُ بأرضٍ لا يُخافُ بها
ولا يُرجّى شبا رُمحي ولا قلمي

فقبَّلتني توديعاً فقلتُ لها
كفِّي فليس ارتشاف الخمر من شيمي

لو لم يكن ريقُها خمراً لما انتطقت
بلؤلؤ من حباب الثّغرِ منتظم

ولو تيقَّنتُ غيرَ الراح في فمها
ما كنتُ ممن يصدُّ اللثمَ باللثمِ

وزاد ريقتها برداً تحدُّرُها
على حصى بردٍ من ثغرها شبم

إني لأطرفُ طرفي عن محاسنها
تكرُّماً وأكفُّ الكفَّ عن أمم

ولا أهمُّ ولي نفسٌ تنازُعني
أستغفر الله إلا ساعة الحلم

لا أكفرُ الطيفَ نعمى أنشرت رمماً
منا كما تفعل الأرواحُ بالرِّمم

حيَّا فأحيا وأغنتنا زيارتُهُ
عن اعتساف الفلا بالأينُقِ الرُّسم

وصل الخيال ووصلُ الخَود إن سمحت
سيَّانِ ما أشبه الوجدان بالعدم

فالدّهرُ كالطيف بؤساه وأنعمهُ
عن غيرِ قصدٍ فلا تمدح ولا تلمُ

لا تحمد الدهرَ في بأساء يكشفُها
فلو أردت دوامَ البؤس لم يدمِ

خالف هواك فلولا أنَّ أهوانهُ
شجوٌ لما اقتنصَ العقبان بالرّخم

ترجو الشفاء بجفنيها وسقمهما
وهل رأيت شفاءً جاء من سقم

وتشتفي بصبا نجدٍ فإن خطرت
كانت جوى ً لك دون الناس كلهم

وكيف تُطفي صبا نجد صبابته
والريح زائدة ٌ في كل مضطرم

أصبو وأصحو ولم يكلم ببائقة ٍ
عرضي كما تُكلُم الأعراض بالكلم

لا تحسبن حسب الآباء مكرمة ً
لمن يقصِّرُ عن غايات مجدهم

حسنُ الرجال بحسناهم وفخرُهم
بطَولهم في المعالي لا بطُولهم

ما اغتابني حاسدٌ إلا شرفت به
فحاسدي منعمٌ في زيِّ منتقم

فالله يكلأُ حسادي فأنعمهم
عندي وإن وقعت عن غير قصدهم

ينبِّهونَ على فضلي إذا كُبتت
صحيفتي في المعالي عُنونت بهم

يا طالبَ المجد في الآفاق مجتهداً
والمجدُ أقربُ من ساق إلى قدمِ

قل نصرُ دولة دين الله لي أملٌ
قولاً وقد نلتَ أقصى غاية الهمم

كم حدتُ عنهُ فنادتني فضائلهُ
يا خاتمَ الأدب امدح خاتم الكرم

وقادني نحوهُ التوفيقُ ثم دعا
هذا الطريقُ إلى العلياء فاستقم

وقصره عرفات العُرف فاغن بهِ
وكفُّهُ كعبة ُ الافضال فاستلم

ترى الملوك على أبوابهِ عصباً
وفداً فدع غيرهم من سائر الأمم

يحفُّهُ كلُّ محفوف بموكبهِ
عزّاً ويخدُمه ذو الجند والخدم

تظلُّ مزدحمات في مواكبهِ
تيجان كل مهيب الناس والنِّقم

تفيؤوا ظلَّ ملكٍ منهُ محتشمٍ
ورُبَّ ملكٍ مذال غيرِ محتشم

والملكُ كالغاب منهُ خدرُ ذي لبدٍ
ومنهُ مرتبعٌ للشاء والنعم

هم أعظمُ الناس أقداراً ومقدرة ً
لكن أتى فضلُهُ من فوق فضلهم

إذا بدا طبَّق التقبيلُ ساحتهُ
فما على الأرض شبرٌ غير ملتثم

فساحة ُ الثغر ثغرٌ أشنبٌ رتلٌ
مفلَّجٌ فهو مرشوفٌ بكل فم

فلو تؤثر في الأفواه أنملهُ
وأرض موكبه لم يخل من رثم

كأنَّ أرضك مغناطيسٌ كلِّ فمٍ
فالطبعُ يجذُبُها بالطَّوعِ والرَّغم

لما علوتَ غمرتَ العالمين ندى ً
والمزنُ يعلو فيروي الأرض بالديم

ترقا وما رقأت نعماك عن أحدٍ
بوركتَ من عال ومنسجم

مقسَّم في العلى لليُمن يمنتهُ
واليسر يسرتهُ والكلُّ للكرم

إن قال لا فهي آلاءٌ مضاعفة ٌ
وإن يقل نعماً أفضت إلى نعم

تبدو صرامتهُ في ماء غرّتهِ
والماء بعضُ صفاتِ الصارمِ الخذمِ

هو الجريء على مالٍ يجودُ به
والكرُّ في الجود مثل الكرِّ في البهم

مفرّق الجودِ مقسومٌ مواهبهُ
في علية الناس والأوساط والحشم

والغيث إن جاد بالمعروف وزّعهُ
بين الشناخيب والغيطان والأكم

به إلى كل شربٍ للعلى ظمأ
برحٌ ومهما ارتوى من مائهنَّ ظمي

ويعتريه إلى بذلِ اللهى نهمٌ
والظّرفُ أجمعُهُ في ذلك النَّهم

إليك نظَّمتُ أجواز الفلاة على
خرقاء تهوي هويَّ الجارح القرمِ

كأنما البيدُ من دامي مناسمها
مصاحفٌ كتبت أعشارُها بدم

أخفافها شاكلاتٌ كلَّ مشكلة ٍ
بجمرة معلماتٌ كلَّ منعجم

وأدهمٍ واضح الأوضاح مشترك
بين النَّهارِ وبينَ اللَّيلِ منقسِم

للضوء أرساغهُ إلا حوافره
فإنهنَّ مع الجلباب للظُّلم

محلولِكٌ علق التحجيل أكرعهُ
كما تعلّق بدء النار في الفحم

جرى فجلَّى فحيَّا الصُّبحُ غرَّتهُ
لثماً ومسَّح بالأرساغ والخدم

وقبَّل الفجرَ كي يُجزيه قُبلتهُ
فارتدَّ باللَّمظ المشفوع بالرَّثم

أضحى بعدلك ثغر الثغر مبتسماً
وكان قبلُ عبوساً غيرَ مبتسم

ما ينقم الثغر إلا أن محوت به
ليلاً من الظلم كانوا منهُ في حرم

قد عظَّم الله أملاكاً ملكتَ بهِ
بني عقيل وما يحوون من نعم

لو لم تحزها أبا نصرٍ لما وجدت
كفءاً يشاكلُ في أخذ ولا كرم

لو تطلب الشمس غير البدر ما اتَّصلت
بمثله في سناء القدر والعظم

زادت إلى عزَّها عزّاً به مضرٌ
وربّما صيدت العلياءُ بالحرم

خمسون ألفاً يُغطّي البرَّ جمعهمُ
بموج بحرٍ من الماذيِّ ملتطم

من كلّ من يتلقى وجهَ زائره
بكوكبٍ بهلال الفطر ملتثم

مجرَّبون على محبورة ٍ غنيت
عن لأعنّة فاستغنوا عن الحُزم

في الوحش زادهم والمزنُ ماؤهم
تحمَّلتهم فأغنتهم عن الأدم

تصاهل الخيلُ من تحت الرماح بهم
فليس يفضي بهم شيءٌ إلى هرم

ونغمة ُ السيف أحلى نغمة ٍ خُلقت
إذا ترنم بعد البيض في اللِّمم

والعيش في ظهر أفرانٍ مكلَّمة ٍ
بمثلهنَّ وفرسانُ بمثلهم

إذ الأسنَّة في الهيجاء ألسنة ٌ
يُعربن عن كل مقدام ومنهزم

محمرة من دم الأبطال أنصلُهم
كأنَّما نصلوا الأرماحَ بالعنم

قد كدتُ أنكرُ شعري حين حاولهُ
مني وحاشاك أملاكٌ بلا همم

لا يألمون لنقص البخل وهو بهم
مبرّحٌ كيف للأموات بالألم

يحكيك في الخلق لا في الخُلق أكثرهم
وربما شُبِّه الإنسان بالصّنم

ولستُ أنكرُ قدر الشعر إنّ بهِ
نقلَ المآثر عن عادٍ وعن إرمِ

خيرُ المناقبِ ما كان البيانُ لهُ
سِلكاً وفُصِّل بالأمثال والحكم

رث كلّ من بخلت كفاه من ملك
فأكثر الناس خزّان لغيرهم

ذو الجود يورثُ في محياه أنعمه
والنّكس يُورث بعد الموت والعدم

وقيمة ُ المرء ما جادت به يدُهُ
وقدرك الأنفسُ الغالي من القيم

والفضل أشياء شتى أنت جملتُها
وصيغة ٌ أنت معناها فدُم تدُم