بعثن غداة تقويض الخيامِ - علي بن محمد التهامي

بعثن غداة تقويض الخيامِ
منيّة كلِّ صبّ مُستهام

وملن إلى الوداع وكلُّ جفن
يُفيض الدمع كالقدح الجُمام

جرت عبراتهن على عبير
كما اصطفق الحبابُ على المدام

ظباء صادها قنّاص بينٍ
فأبدلها الهوادجَ بالخيام

أراميهنّ باللحظات خلساً
فترجع نحو راميها سهامي

برود ريقهنّ وكيف يُحمى
ومجراه على بردٍ تؤام

وأقسم ما معتقة ٌ شمولٌ
ثوت في الدنَّ عاماً بعد عام

إذا ما شاربُ القوم احتساها
أحسَّ لها دبيباً في العظام

بأطيب من مجاجتهن طعماً
إذا استيقظن من سنة المنام

ولم أرشف لهنَّ جنى ولكن
شهدن بذاك أعواد البشام

إذا كشفت براقعهن قلنا
ضياءُ البدر من تحت الجهام

سقامُ جفونهنَّ سقام قلبي
وهل يبرا السَّقام من السَّقام

واني عند مقدرتي ووجدي
بهنَّ مع الشبيبة والغرام

أعفُّ عن الخناعند انتباهي
وأحلمُ عنهُ في حال المنام

هوى لا عيبَ فيه ولا أثامٌ
إذا ما الحبُّ أفسد بالأثام

وأقسمُ صادقاً لو همَّ قلبي
بفعل دنيئة خدلت عظامي

وأظلمهنَّ إن ناديتُ يوماً
بإحداهن يا بدرَ التمام

كما ظلم الندى من قاس يوماً
ندى كفّ المفرّج بالغمام

فتى جُبلت يداهُ على العطايا
كما جُبل اللسان على الكلام

نزلتُ به فقربني كريمٌ
تقسّمهُ العُلى خير اقتسام

فيسراه لنيل أو عنان
ويمناه لرمح أو حسام

وطوّقني صنائعَ ليس تخفى
وكيف خفاءُ أطواق الحمام

لقد أحيى المكارمَ بعد موتٍ
وشاد بناءها بعد انهدام

ويقسم ماله في كل وفد
كلحم البدن في البلد الحرام

بصفحة ِ خدّهِ للبشرماءٌ
كمثل الماء في صفحِ الحُسام

ولم أرَ قبله أسداً يلاقي
ضيوفاً بالتحيّة ِ والسّلام

يزُر الدرعَ منهُ على هزبرٍ
أبي شبلٍ مخالبهُ دوامِ

فتى لقيَ الوغى قبل اثغارٍ
وقادَ جيوشها قبل احتلام

فليس يُراح للغمرات حتّى
يُراع الحوت في اللجج العظام

يغادرُ قرنه والرمحُ فيه
صليباً بين رُهبان قيامِ

تكفّنه البواترُ في دماءٍ
وتدفنه الحوافرُ في القتام

تفيض دمُ العدى من كلِّ درع
كفيض الخمر من خلل الفدام

وتسمعهم كلام الموت جهراً
بآذان من الطعن التُؤام

ولم يكُ طعنهُ أذناً ولكن
يكون السمع من قرع الكلام

يمهّد في الطّلى أشداقَ عنس
تحلّب بالدما بدل اللُّغام

لهُ من نفسه أبداً منادٍ
يناديه إلى الرُّتب الجسام

فيوم الجود حيّ على العطايا
ويوم الحرب حي على الزّحام

لو أن المجد يدرك بالهوينى
لما فضل الكرام على اللئام

تجمّلُ كلَّ مملكة ٍ يداه
وإن كانت جمالاً للأنام

كذاك الدرُّ أحسن ما تراه
على عنق الخريدة في النّظام

ونعمة ُ غيره عار عليه
كمثل الحُلي للسّيف الكهام

رآه الله للعلياء أهلاً
فأعلاه على قمم الكرام

فقابلَ فضلَ خالقه بشكرٍ
وإن الشكر داعية ُ الدوام

بنوه لجيشه أبداً امام
بمنزلة ِ النُّصول من السِّهام

فبورك ولده أبداً سهاماً
وبورك سهم دين الله رامي

سواءٌ فيهم قولُ المنادي
هلموا للطّعان أو الطعام

نزلتم طيباً حرماً وكنتم
مكان الركن منها والمقام

أتتك رسائلُ السلطان ترضى
وتقنعُ من هباتك بالزمام

أماناً من جميع الناس طرّاً
فأنعم بالأمان وبالدوام

إليك جعلتُ صدرَ المهر سلكاً
أسدّ به الموامي بالموامي

إذا ورد القرارة بعد أينٍ
حشا فاه على فأس اللّجام

فكم ملك إغادر عن يميني
وعن يُسراي إذ كنتم أمامي

ولست بذي عمى عن رزق سوء
أغادره ولكن عن تعام

إذا قنعَ الهزبُر بقوتِ كلبٍ
فليس الفرقُ إلا في الأسامي

رضعت الجود قبل الدرِّ طفلاً
وما لرضاع جودك من فطام

فجود سواك رمية ُ غير رامٍ
وجودك رمية من كفِّ رام