الناسك - عبدالحكيم الفقيه

الإهداء: إلى أستاذي الشاعر د. عبد الوهاب المقالح
___________
(1)
وها أنت أصفى من السلسبيل
وأجمل من ضحكات صغير يطارد بالونة في فناء يسيجه الأقحوان
نقيا كطهر المعابد والأنبياء
ألست الذي يسكر الورد حين يلامسه ظلك المتوهج
حين تحث الخطى في المروج؟
ألست المحب الذي يبصر الله دون براق ودون عروج؟
ألست الدليل الذي لا دليل له غير قلبه هذا الحنون
الذي تتقزم حين ترى نخل أشواقه الباسقات
الذرى والبروج؟
ألست الملاك الذي يبصر الثلج لا يرتقي لابيضاض القلوب
التي تتلألأ تحت ضلوع الزنوج؟
ألست المغني الذي دغدغت يده صخرة
فترقرق من جوفها اللحن والنغمات
ودب الخرير الذي يسحر السحر
يا للندى المتألق في كأس سوسنة الكلمات
وياللصدى المتراقص في عتبات الخروج...
الخروج إلى كل هذي الرحاب التي لا حدود لها
أيها الفارس المتفرس
كيف انتزعت انتصارك دون دروع
ودون سيوف ودون خيول ودون سروج؟
(2)
الفراشات تلك التي تتزركش فوق الأزاهير
والشمس حين ترشرش عبر ثقوب الغصون الكثيفة
أمطار أضوائها في الدروب
وسرب العصافير__ تلك التي تعجز اللغة الشاعرية عن وصف أصواتها
والحروف تخور قواها إذا حاولت رصد اسمائها___
والندى الناعس العين في قلب عشب البكور
وكراسة الرسم في حضن تلميذة تشتهي أن تخبيء فيها ازرقاق السماء
وكوخا يفر من الفيضان
وفرحة فلاحة باقتراب الحصاد وعرس الحفيد
ونشوة طفل يكركر في صبح عيد
ويزهو ببدلته والحذاء وتملأه بهجة ومرحْ
وصوت صغار يصيحون مقتسمين الفطائر والماءْ
وألوان قوس قزحْ
وأعذب ثانية من دقيقة أم رأت ابنها عاد من سجن عشر سنين
ففاضت دموع فرحْ
وأجمل من كل هذا الجمال هو أنت
يا صدر هذا الزمان الذي كلما ضايقته السنون
انتشى وانشرحْ
(3)
من تكن غير هذا البسيط الذي يدخل الناس في صدره والبلاد
ويسكنهم جنة الحب في قلبه ويعلمهم لغة العشق
يمنحهم فرصة لاختصار الأماني البعيدةْ
من تكن غير هذا النحيل الذي استوطنته المجرة
هيأ من دمه مصيفا للزمان المشرد
وأحتار هل يستقي من مدامعه الفل
أم يستقي القمح من دمه
أم يفتت أحشاءه في صحون القصيدةْ؟
من تكن غير هذا الزمان المضارع
هذا الذي لا يريد من الأمس إلا زيوتا لفانوس أحلامه
كي يسير إلى الأمس منفلتا من قيود الليالي التليدةْ
من تكن غير هذا الحزين الذي ماله فرح في البلاد السعيدةْ