أحزان .. وإصرار - عبدالله البردوني

شوطنا فوق احتمال الاحتمال
فوق صبر الصبر … لكن لا اتخذال

نغتلي … نبكي … على من سقطوا
إنما نمضي لإتمام المجال

دمنا يهمي على أوتارنا
ونغنّي للأماني بانفعال

مرة أحزاننا … لكنها
ـ يا عذاب الصبر ـ أحزان الرجال

نبلّع الأحجار … ندمى إنما
نعزف الأشواق … تشدو للجمال

ندفن الأحباب … نأسى إنما
نتحدى … نحتذي وجه المحال

***

مذّ بدأنا الشوط .. جوهرنا الحصى
بالدم الغالي وفردسّنا الرمال

وإلى أين … ؟ غرفنا المبتدى
والمسافات ـ كما ندري ـ طوال

وكنيسان انطلقنا في الذّرى
نسفح الطيب يمينا وشمال

نبتي لليمين النشود من
سهدنا جسرا وندعوه : تعال

***

وانزرعنا تحت أمطار الفناء
شجرا ملء المدى … أعيّا الزوال

شجرا يحضن أعماق الثرى
ويعير الريح أطراف الظّلال

واتّقدنا في حشى الأرض هوى
وتحوّلنا حقولا … وتلال

مشمشا .. بنا .. ورودا .. وندى
وربيعا … ومصيفا وغلال

نحن هذي الأرض .. فيها نلتظي
وهيّ فينا عنفوان واقتتال

من روابي لحمنا هذي الربى
من ربى أعظمنا هذي الجبال

***

ليس ذا بدء التلاقي بالردى
قد عشقناه وأضنانا وصال

وانتقى من دمنا عمتّه
واتخذنا وجهه الناري نعال

نعرف الموت الذي يعرفنا
مسنّا قتلا … ودسناه قتال

وتقحمنا الدّواهي صورا
أكلت منّا … أكلناها نضال

موت بعض الشّعب يحيي كلّه
إنّ بعض النقص روح الاكتمال

***

ها هنا بعض النّجوم انطفأت
كي تزيد الأنجم الأخرى اشتعال

تفقد الأشجار من أغصانها
ثمّ تزداد اخضرارا واخضلال

***

إنما … يا موت .. هل تدري متى
ترتخي فوق سرير من ملال ؟

في حنايانا سؤال … ما له
من مجيب … وهو يغلي في اتصال

ولماذا ينطفي أحبابنا
قبل أن يستنفد الزيت الذبال ؟

ثمّ نسى الحزن بالحزن ومن
يا ضياع الردّ ـ ينسينا السؤال ..؟