إبن السبيل - عبدالله البردوني

سار والدرب ركام من غباء
كل شبر فيه شيطان بدائي

كان يرتد ويمضي مثلما
تخبط الريح ، مضيقا من عناء

بين جنبيه ، جريح هارب
من يد الموت ، ومسلول فدائي

يصلب الخطو على ذعر الحصى
وعلى جذع مديد من شقاء

وعلى منعطف أو شارع
من دم الذكرى وأنقاض الرجاء

من يعي يسأله : أين أنا؟
ضاع قدامي ، كما ضاع ورائي

والى لا منتهى هذا السرى
في المتاهات ، ومن غير ابتداء

انني أخطو على شلوى وفي
وهوهات الريح ، أشتم دمائي

من يؤاويني ؟ ايصغي منزل
لو أنادي ، أو يعي أي خباء ؟

الممرات مغارات لها
وثبة الجن، وإجفال الظباء

وهناك الشهب غربان ، بلا
أعين ، تجتاز غيما لا نهائي

وهنا الشمس عجوز ، تحتسي
ظلّها ، تصبو إلى تحديق رائي

من دنا منسّي ؟ وكالطيف النوى
ونأى ، خلف خيالات التنائى

من وراء التلّ عنّت غابة
من أفاع ، وكهوف من عواء

وعيون ، كالمرايا ، لمعت
في وجوه ، من رماد وانحناء

انه حشد ، بلا اسم وجهه
خلفه مرآه تزوير الطلاء

من يرى ؟ أي زحام ودرى
انه يرنو إلى زيف الخواء ؟

***

وبلا زاد ولا درب مضى
كالخيالات الكسيحات الظماء

تخفق الأحزان ، في أهدابه
وتناغي ، كعصافير الشتاء

ينحني، يستفسر الاطراق من
وجهه الذاوي ، وعن باب مضاء

عن يد ، صيفية اللّمس وعر شرفة
جذلى ، وعن نبض غناء

وتأنت نجمة أرسى على
جفنها طيف ، خريفيّ الرّداء

فتملاها مليّا وارتدى
جوّ عينيه ، أصيلا من صفاء

والتظى برق ، تضنّى خلفه
ألف دنيا ، من ينابيع السخاء

وبلا وعي دنا ، من كوخه
كغريق ، عاد من حلق الفناء

فأحسّ الباب يلوي حوله
ساعدي شوق ، وحضنا من بكاء

اين من يسأله ، يخبره
عن مآسيه فيحنو أو يرائي؟

وجثا ، يحنو عليه منزل
سقفه الثلج ، وجدران المساء

وكما تنجرّ أمّ ضيّعت
طفلها ، يبحث عن أدنى غذاء

يجتدي الصمت نداء أو يدا
أو فما يفترّ ، أو رجع نداء

ويداري السّهد أو يرنو الى
ظلّه ، يختال في ثوب نسائي

فتعاطيه مناه أكؤسا
من دخان ، واحتضانا من هباء

تحتسي أنفاسه أمسية
عاقر ، تمتص ألوان الهواء

هل هنا لابن سبيل الريح من
موعد ؟ أو ها هنا دفء لقاء ؟

عاد من قفر دخاني ، الى
عامر ، أقفر من ليل العراء

وغدا يبتديء الأشواط من
حيث أنهاها ، إلى غير انتهاء

يقطع التيّه ، إلى التيه ، بلا
شوق أسفار ، ولا وعد انثناء

وبلا ذكرى ، ولا سلوى رؤى
وبلا أرض ، ولا ظل سماء

عمره دوّامة من زئبق
وسهاد ، وطريق من غباء