أغنية من خشب - عبدالله البردوني

لماذا العدوّ القصي اقرب ؟
لأن القريب الحبيب اغترب

لأن الفراغ اشتهى الامتلاء
بشيء فجاء سوى المرتقب

لأنّ الملقّن واللاعبين
ونظّارة العرض هم من كتب

***

لماذا استشاط زحام الرماد ؟
تذكر أعراقه فاضطرب

لأن ((أبا لهب)) لم يمت
وكلّ الذي مات ضوء اللهب

فقام الدخان مكان الضياء
له ألف رأس وألفا ذنب

***

لأنّ الرياح اشترت أوجهها
رجالية والغبار انتخب

أضاعت ((أزل)) بنيها غدت
لكلّ دعي كأم وأب

وأقعت ، لها قلب فاشيّة
ووجه عليه سمات العرب

***

فهل تلك صنع ؟ يفرّ اسمها
أمام التحرّي ، ويعوي النّسب

وراء الستار الظفاري عيون
صليبية ، وفم مكتسب

عجوز تئنّ بعصر الجليد
وتلبس آخر ما يجتلب

لماذا الذي كان ما زال يأتي ؟
لأنّ الذي سوف يأتي ذهب

لأنّ الوجوه استحالت ظهورا
تفتّش عن لونها المغتصب

لأنّ المغني أحبّ كثيرا
كثيرا ، ولم يدر ماذا أحب

***

لماذا تمنّى الظروف الحنين
فتغري وتعرض غير الطلب

***

تغلّ العواسج في كلّ آن
وفي كلّ عام يغلّ العنب

لماذا ، لماذا ركام يمرّ
ركام يلي دون أدنى سبب ؟!

ويستنفر الغضب الحمحمات
قليلا ، ويعتاد يعيى الغضب

ويحصى الطريق … جدار مشى
جدار سيمشي ، جدار هرب

ولا شيء غير جدار يقوم
بوجهي … وثان يعدّ الركب

وتحكي ـ أعاجيب من أدبروا
وجاؤوا ـ شبابيك (بئر العزب)

ولم يمض شيء يسمّى غريبا
ولم يأت شيء يسمّى عجب

لأن الصباح دجى ، والدّجى
ضحى ، ليس يدري لماذا غرب

فلا الصدق يبدو كصدق ولا
أجاد أكاذيبه من كذب

***

لماذا ؟! ويمحو السؤال
وينسى الجواب اسمه واللّقب

ويضي المغنّى يديه وفاه
وشيء يجلمد حسّ الطرب

فتمضي القوارب مقلوبة
وتأتي وينسى المحيط الصخب

ويصحو الغرام يرى أنّه
على ظهر أغنية من خشب