من علَّق الأقمار كالحلمات - جابر أبو حسين

سمرٌ وموسيقا...
توهَّجتِ الكؤوسُ،
فدُرْ على العشّاقِ بالراحِ،
اسقِهم،
فلعلَّهمْ- يا ربُّ-
إنْ شربوا رأوكَ
كوردةٍ حمراءَ
تفترشُ السهولَ
على جبينِ الطاولَةْ.
هذا هو الكرمُ الذي فتَّشْتُ عنهُ هناكَ،
ردّتني الليالي خاويَ الكأسِ،
احتستْ جسدي الصبايا الغامضاتُ
على الورقْ،
سمرٌ وبحرٌ من عرقْ،
فأُضِئْتُ وانزلقتْ ثلوجي
نحوَ سفحِ العمرِ،
سلَّمها السوادُ إلى البياضِ،
فأُشعِلَتْ قمراً يصلّي للأفقْ.
ليلي، وأقماري،
وكأسي،
نشوتي...
هي صحوتي،
وهي الصَّبَا
أغرى الكؤوسَ،
صدى صبايا كنتُ قد عانقتهم في اللهِ،
فانتشروا صباحاً
أيقظَ الغزلانَ
في لهفِ السهولِ الغافلةْ.
هي رقصةٌ للروحِ واشتعلَ الجسَدْ.
فعبرتُ في أنهارِها
من أوَّلِ الرعشاتِ،
حتَّى آخرِ العرباتِ
في أقصى البلدْ.
منْ أيقظَ الطفلَ اليتيمَ
من النحيبِ إلى الهدايا
الحالماتِ بصمتِهِ؟
من علَّقَ الأقمارَ
كالحلماتِ، تَرضعُ جوعَهُ
ليصيرَ حقلاً
ثمَّ شمساً
ثم فُسْتُقَةً يُقَمِّرها الشَّبَقْ؟!
ليلٌ بدائيٌّ
على شبّاكهِ حطَّ النزقْ
فتطايرَ الزغبُ الممشَّطُ بالحرارةِ
فوقَ أنقاضِ القلقْ.
هدهدْ كؤوسي
يا حبيبي،
فهي قد أمِنَتْ شفاهكَ،
وهي قد ألفَتْ أناملكَ الشفيفةَ،
وهي قد تركتْ على خدّيكَ إصبَعَها
وغاصتْ في الجبالِ السائلةْ.
فشربتُ...
تسكنني السهولُ،
أمرُّ من قممِ الجبالِ
إلى البروقِ،
لأدخلَ النصفَ المنيرَ من البلادِ
ومن عيوني.
سيّجيني،
واحمليني يا بلادُ إلى البلادْ.
الثلجُ أتعبهُ الرمادْ
لنْ يفهمَ الثلجَ الجميلَ بداخلي
إلاّكِ،
وهجُكِ أدركَ الأمطارَ
تضحكُ في اغتسالي
من ثقوبِ الوهمِ،
فاحترقتْ ضلوعي.
أشعلي النارَ اللطيفةَ في عيونكِ
فوقَ هاماتِ الجبالِ،
ليسقطَ الفحمُ...
اكتبيني،
تنبتُ الأزهارُ في درجِ الطفولةِ مرَّةً أخرى
وينفتحُ القميصُ
على السماءِ الكامِلَةْ.