السوسنات السبع - جابر أبو حسين

-1-‏
يا سوسنَةْ‏
يابيتَنا المهجورَ‏
ينقشُ هاجسي‏
في بابهِ‏
مُدَّيدةً للولدنَةْ‏
في ظلّهِ‏
استكشفْتُ طفلةَ جارِنا‏
دخَّنْتُ بينَ براعمِ التفّاحِ‏
عمرَ الحبوِ..‏
برعمُ جارتي‏
منْ دخَّنَهْ؟!‏
مَنْ دحرجَ الكرةَ؟!‏
اختفى في الظلّ..‏
واختصر الكؤوسَ..:‏
بصحَّةِ الأعوامِ‏
يا رأسَ السنةْ.‏
31/12/1993‏
-2-‏
يا سوسنَةْ‏
يا مُقْلَتَي أُمّي‏
وقدْ حنَّتْ إليَّ،‏
أُهَدُّ منْ ألقِ الطفولةِ قُربَها،‏
وأجمّعُ الأخشابَ‏
كي أبني بها بيتاً صغيراً،‏
ثمَّ أدعو طفلةَ الجيرانِ،‏
والنملَ المسافرَ للبيادرِ،‏
والعصافيرَ الصديقةَ:‏
أنْ تعالوا‏
أصدقائي‏
كي نغنِّيَ للحقولِ معاً،‏
ونلعبَ بالترابِ،‏
وبالسحابِ‏
وبالسّنا‏
يا أعمقَ الأحلامِ يا...‏
31/12/1994‏
-3-‏
العيدُ يخرجُ سوسنَةْ،‏
لا تنحني للدندنَةْ،‏
هذي العصافيرُ الجميلةُ‏
طوَّقتْ أعناقُها‏
عنقَ الزجاجةِ،‏
حيث يطفو شاعرٌ‏
يبكي ليقرأَ موطنَهْ.‏
31/12/1995‏
-4-‏
للعيدِ رائحةُ القُرى،‏
ولهُ الأغاني والنبيذْ.‏
للعيدِ موقدةٌ،‏
وضوءٌ صاعدٌ للقلبِ،‏
للعيدِ الصبايا الحالماتُ‏
بطيفِ فارسهنَّ،‏
يأتي بالخواتمِ والهدايا والعسلْ.‏
للعيدِ أجنحةُ الطفولةِ‏
والأراجيحُ الشفيفةُ والألقْ.‏
للعيدِ طائرةُ الورقْ.‏
ولهُ تأوُّهُ جدَّتي،‏
لتصيرَ أصغرَ منْ أبي‏
خمسينَ عاماً.‏
خذْ ضفائرَ جارتي‏
يا عيدُ‏
واغزلْها أفقْ.‏
خذْ أصدقائي الطيبينَ لغرفتي‏
لأطلَّ منهمْ‏
-يا غريبُ-‏
على دروبٍ في ثقوبِ الأمسِ،‏
خُذْ عمري‏
لأنسجَ خيمةً للأصدقاءِ هناكَ‏
منْ قلبي الذي‏
علَّقْتُهُ قمراً على الشرفاتِ‏
في السنةِ الجديدَةْ.‏
-5-‏
للعيدِ أيّامي‏
وأحلامُ الحبيبةِ،‏
تمتمتني بيتَ شعرٍ‏
إنْ تسامرْ خصرها برويّه‏
فلغيرِ ناري لا يقالْ.‏
للعيدِ عمري،‏
عمرُ أحبابي،‏
الذينَ أزورهم قبلَ الكتابةِ،‏
قبلَ أنْ يندسَّ ربُّ الحبّ‏
في صدرِ الصبيَّةِ‏
تاركاً زغبَ الطفولةِ‏
في الممرَّاتِ الجديدةِ‏
بينَ وادي الموتِ والشجرِ الكثيفِ‏
هناكَ ثلجٌ هادئٌ جداً‏
على شفةِ الجبالْ.‏
قيلَ:‏
الجبالُ تُحبُّ أنهارَ النبيذِ،‏
تزورُها في الليلِ،‏
تمتصُّ البشارةَ،‏
ثمَّ تنفثُ وهجَها في الثلجِ،‏
تحترقُ الأصابعُ‏
وهي تبحثُ عن إلهِ الشّعرِ‏
في قلبِ الصبيَّةِ،‏
غارقاً في الضوءِ‏
أرهقَهُ السؤالْ:‏
كيفَ استحالْ‏
نايُ المغّني غابةً؟‍‏
النايُ يبعدُ،‏
والصَّبيَّةُ‏
قيلَ:‏
قدْ ذهبتْ‏
تُزيِّنُ شجرةَ الميلادِ،‏
ترمي قلبَها في النهرِ،‏
تعصرُ وقتَها.‏
النَّهرُ يرحلُ في عروقِ الأصدقاءِ،‏
يوزّعُ البوحَ النبيَّ ندىً‏
وأزهاراً‏
وأشياءً‏
غداً‏
يأتي بها‏
(بابا نَويلْ).‏
-6-‏
لم يأتِ،‏
حاولَ‏
أنْ يُعلّقَ عمرَهُ‏
مع صبْيَةٍ‏
في آخرِ الساعاتِ،‏
مرَّتْ‏
وهوَ ينظرُ في يديهِ،‏
يعيدُ إصبعَهُ إليهِ‏
كمنْ يحاولُ أنْ يخبّئَ عورةَ الأرضِ:‏
افتقدْتُكِ يا بلادي.‏
كيفَ يَمْسَحُ وجهَهُ‏
في ضحكةِ الأولادِ‏
تطفو فوقَ جرحِ الوردِ؟؟‏
منْ تحتِ الأصابعِ،‏
جرحُنا تمشي عليه الريحُ،‏
تلعبُ في شقوقِ زمانهِ،‏
سبقتْهُ أغنيةٌ،‏
رماها فوقَ أجنحةِ الصبايا،‏
غِبْنَ في أشعارهِ كالعطرِ،‏
لم يكْبرنَ...‏
قريتُهنَّ‏
تقطعُ شارعَ الوقتِ،‏
استترْ بالدفءِ،‏
قلْ:‏
فليأتِ عامٌ لا يخونُ الخيرَ.‏
أينَ نُخبِّئُ الأرضَ الصغيرةَ‏
منْ عيونِ صغارنا؟!‏
-7-‏
العيدُ يطوي صفحةً منْ عمرهِ‏
العيدُ شيخٌ طاعنٌ في السنِّ‏
يغوي طفلةً‏
للسوسنَةْ.‏