ربابة وخريف - طالب همّاش

الحزنُ من خمرٍ وأغنيةٍ وخبزْ‏
الحزنُ عاشقةٌ مضتْ بجرارها للنبعِ‏
فاختلفتْ ضفيرتها مع الريحانِ،‏
وانسرحتْ محارمها على الأمواجِ باكيةً‏
فأحنتْ صدرها العاري‏
لترضعَ بالبياضِ الغضِّ أسرابَ الإوزْ!‏
الحزنُ رجعُ صبيةٍ‏
كانتْ تطرّزُ من خيوطِ الفجرِ‏
ثوبَ زفافها الورديّ،‏
حائكة عليهِ حمامةً بيضاءَ‏
من حبقٍ ولوزْ.‏
وغيابنا ورقٌ يطيّره اليمامُ‏
(رسائلاً) زرقاءَ لامرأةٍ‏
نسيتْ رسائلها لنا،‏
نسيتْ كراريسَ الطفولةِ خلفَ باب الليلِ،‏
وانصرفتْ لقطفِ القطنِ من أيلولها الباكي‏
فطالَ غيابها يوماً فيومْ!‏
فسألتُ ناطورَ الخريفِ:‏
أما رأيتَ سنابلَ الأحزانِ تحصدها‏
بسيفِ الدمعِ مريمةٌ؟‏
أما شاهدتَ طيرَ بياضها المذبوحَ‏
فوقَ الثلجِ يرقصُ عاشقاً؟،‏
وغناءها القرويَّ يهطلُ كالثلوجِ‏
على سريرِ الليلِ في دفءٍ ونومْ.‏
ـ ذهبتْ لتنعسَ في حفيفِ الحورِ‏
تحرسُ مهدها العالي (عصافيرٌ) وغيمْ.‏
ـ ذهبتْ لتمنحَ خصرها للحبّ‏
والرجزِ الحزينِ‏
فخصرها شبّابةٌ بُحَّتْ،‏
ورقصتها موشَّحْ.‏
يا عازفِ الناي المجرَّحْ!‏
خُذْ شعرَ حنطتها‏
وسرّحهُ علىكتفِ الغيومِ!،‏
ورقّصِ الإيقاعِ في الخصرِ النحيلِ!‏
فقلبها أيقونةٌ للحبِّ رائحةٌ إلى روحي،‏
وخطوتها تمايلُ زهرتيْ فلٍّ‏
علىغصنٍ تفتَّحْ!‏
ما أجملَ الأرضَ التي تركتْ قميصَ الصيفِ‏
يلبسُ روحنا في الليلِ‏
والغيماتِ تحملُ عمرنا للريحِ،‏
والأقمارَ تحدبُ فوق سهرتنا‏
كأيّوبٍ ومريمْ!..‏
الحزنُ أن نبكي ولا ندري لماذا‏
لا تسمّينا الصبية عاشقيها‏
حين نخمشُ صدرها‏
ونكبُّ فوقَ الماءِ منكسرينَ...‏
لا ندري لماذا‏
تكبرُ الأيامُ في دمنا وتهرمْ.‏
الحزنُ إنجيلُ النهاياتِ،‏
البكاءاتُ التي تأتي من الصفصافِ‏
كي ترثي رَوَاحَ الروحِ في أيلول دمْ!!.‏
الحزنُ نبضُ الحبّ في شريانِ أغنيةٍ‏
يشرّدها الصدى‏
رئةُ المواويلِ العليلةِ بالحُدا،‏
شمسُ العماءِ المرِّ،‏
مزمارٌ رثى أغرابَهُ الباكينَ في غرفِ الغروبِ‏
وفوقَ جيتارٍ تحطَّمْ!!.‏
ونواحُ ناياتٍ على رجعِ النخيلِ،‏
الأمومةُ حين يتركها الهديلُ‏
حزينةً في الليلِ،‏
محرمةٌ تلوّحُها أناملُ طفلةٍ بيضاءَ‏
من خلف الأغاني‏
بانتظار رسائل الغيّاب من مدن السرابْ.‏
هو كوخُ عشاق قدامى في الهوى‏
تركوا البنفسجَ خلفَ باب الدارِ وانصرفوا‏
إلى كوخِ الضبابْ.‏
الحزنُ خمسُ (شرائطٍ خضراءَ)‏
تربطها الصغيرةُ في جديلتها‏
ليهواها الصغيرُ على طريقِ المدرسهْ...‏
فيغيبُ أستاذُ النشيدِ،‏
تغيبُ آنسةُ الحكاياتِ القديمة فجأةً‏
لتصيرَ ذكرى من غيابْ.‏
هل نتبعُ الأيامَ نحو أفولها؟‏
أم نرشقُ الريحانَ في وجهِ الطفولةِ‏
كلما ذهبتْ لجني اللوزِ‏
في صبحٍ من اللوزِ الحرامْ!؟‏
هل نرفعُ الناياتِ حتى بردةِ الأحزانِ‏
في صدرِ امرأهْ‏
يغفو على موّالها فرخُ اليمامْ‏
الحزنُ أن نمضي إلى بابِ الخريفِ‏
مكفكفينَ دموعنا،‏
فقراءَ من خمرٍ ومن قمحٍ،‏
لنصيرَ قدّيسينَ في ديرِ الحمامْ