جدٌّ من زمان المتعبين.. - طالب همّاش
قمرٌ يسامرني
وأغفو مثلَ عصفورٍ من الحنّاءِ
في الغسقِ الوحيدْ.
فتربُّ حبَّاتُ الندى قدحي،
وتملأُ شهوةُ التفاحِ أعضائي،
وتفتحُ ليْ زهورُ اللوزِ
شباكاً على بلدي البعيدْ
دربُ الحريرِ مشيتهُ...
وقطعتُ كالحطّابِ حقلَ القمحِ..
أردفتُ الرياحَ كصرَّةِ المنفى
على كتفيَّ
واجتزتُ البلادْ.
خوَّضتُ في نهرٍ من الأحزانِ
لكن لم أجدْ أمّيْ
تغنّي في صباحِ العيدِ
أغنيةَ الحدادْ.
فعلى طريقِ الليلِ يرحلُ حادياً
ولدُ الكآبةِ يا سعادْ!
الحورُ يعرفُ حزنَهُ،
وضفائرُ العشقِ الطويلةُ،
والصبايا في مساءاتِ الحصادْ.
أنا لا أزالُ كما عرفتِ
مُشرَّدَ الريحِ الغريبة،
عاشقاً للحورِ والشجرِ القديمِ
ينوحُ ناعورُ الفراقِ
أمامَ أكواخي،
ويحدبُ فوقَ أيامي السوادْ.
فعلى طريق الليلِ يرحلُ مفرداً
ولدُ الكآبةِ يا سعادْ!
لو أن لي طيراً يشاركني فتاتَ
الخبزِ لو...
خبأتُ أحزاني بأعشاشِ الطيورِ
لو أن لي ذئباً يشاركني مناحاتي
لصرتُ أليفَهُ،
وعدوتُ عكسَ الريحِ
والمطرِ الغزيرِ.
لو لي صنوبرةٌ
وهبتُ حفيفها شجني،
وأهديتُ الزهورَ البيضَ أجفاني
وروحي للبخورِ
لكنني وحدي نبيُّ الليلِ
أقرعُ في هزيعِ الحزنِ
أجراسَ البُعَادْ.
فعلى طريقِ الليل يرحل حادياً
ولدُ الكآبةِ يا سعادْ!
يشتاقُ نهدَ الصبحِ في ضوءِ اللياليْ،
والشموعَ ليشعلَ القمرَ الحزينْ.
يشتاقُ نهداً ناضجاً مثل الرغيفِ،
وأبيضاً مثلَ الطحينْ.
يشتاقُ إبريقاً ليغسلَ حزنه
في الفجرِ،،
صومعةً ليخلدَ للسكينْ.
يشتاقُ أن يبكي شتولَ التبغِ
في صدرِ امرأهْ.
وجديلةً، كان اشتهاها الطفلُ
وانقضتِ السنينْ.
أشتاقُ جدّاً من زمانِ المتعبينْ،
وصبيّةً من شهوة الرمانِ في الريفِ
البعيدِ،
ومن حفافي التينِ،
والزوفى
وزهر الياسمينْ
أحتاجُ بيتاً من تراب الأرض،
بعضَ "سنابلٍ"،
شَعْرَ امرأهْ، لأشدَّ أوتارَ الربابهْ.
أحتاجُ زيتاً للسراجِ،
ودمعَ مريمةٍ مداداً للكتابهْ.
أحتاجُ ينبوعاً
لأغرقَ قربَ أقمارِ الكآبهْ.
لا شيءَ غيرُ الظلِّ يضألُ
كلما اقتربَ الغروبُ
وهاجرت عنَّا قصاصاتُ الحمامِ
وجفَّ في القلمِ المِدادْ.
***
وعلى طريقِ الليلِ يرحلُ مفرداً
ولدُ الكتابةِ يا سعادْ!