الشاعر الذي صار قديساً - طالب همّاش

وكَنْتُ سأعرفُ أنّ الذي بينهُ‏
وَبَيْنَ أقلّ الشجيراتِ مسّاً‏
لضلعِ الهَواءِ‏
بُكاءُ مناديلَ أرخَصُ‏
مِنْ وَجَعِ النْايِ في الكلماتِ،‏
وهَمْسُ حَفيفٍ أرَقُّ على زَهْرَةٍ‏
"يتركُ الرُّوحَ عريانةً في العَرَاءْ."‏
كأنّ التّرابَ أخْوهُ الذي مِنْ هديلٍ،‏
وتوأمهُ في النحيبِ الغناءُ الذي‏
ذرفوه‏
على آخر الصيفِ‏
إنْ الخريفَ معابدُ لكنْهَا للبكَاءْ!.‏
ومَا كُنتَ أعرفُهُ:‏
(رَجُلٌ شاهقُ الحزنِ)‏
يَشْعرُ بالريحِ أقربَ من راحتيهِ‏
إلى النومِ،‏
يشعرُ بالسنديانةِ تنفخُ كالبحر في الليلِ‏
والبحرِ بئراً عميقاً لأسرارِ زرقتهِ‏
في السماءَ! .‏
ولكَنْ سأعرفُ كَيْفَ أُسَمّي الزهورَ‏
كؤوساً من الثلج فوقَ يَديهِ‏
وأقتلها كي أنامْ .‏
كأنّي به آخر الشّعراءِ،‏
وأجمل أحفادهمْ فوقَ سفحِ الأناجيلِ‏
بِيْضُ الحساسين ترعى على روحِهِ‏
أوّل الصبحِ‏
فيمَا البلابلُ تَقْضِمُ حزنَ البراعمِ‏
عَنْ جانبيهِ‏
ويبقى الحمامْ.‏
أليفاً، أقلّ من الليلِ حزناً‏
وأجْمَل مِنْ لحظاتِ الغُروبِ‏
على نخلتينِ تعانَقَتَا‏
والسَمَاواتِ بيضاءُ مطعُونة بالغيومِ‏
كأنّي بهِ آخرُ الشّعراءِ على الأرضِ!‏
يرتكبُ الإثمَ فوقَ بياضِ القصيدةِ‏
ثمّ يدلّ القوافي على امرأةٍ‏
لمْ تسرّحْ نوارسَهَا للكسوفِ‏
ليرجعَ طيرُ الكلامْ.‏
وما زلتَ مثلَ اليمام‏
أفتشُ عَنْ نبعةٍ خبّأتْ نَفْسها‏
عن أيائل أحزانهِ البيضِ‏
حتّى إذا قامَ كي يتوضّأ في آخر اللّيلِ‏
حلّتْ ضفائرها كحقولٍ من القمحِ‏
وانسابَ لؤلؤها الليلكيّ الحرامْ.‏
***‏
وكانَ مع الوقت أن قالَ‏
للسنديانةِ‏
كونيْ ملاذاً أفيءُ إليهِ‏
فكانتْ‏
وحطّ على جذعها رأسَهُ لينامْ.‏
وقالَ لسِرْب العصافير:‏
كنْ حارسي من غيومِ الشتاءِ! ،‏
ستأتي نساءٌ مكفّنةٌ بالمواويلِ‏
لا قبرَ تُرخي عليهِ جدائلَ أحزانها‏
السودَ‏
لا قمرٌ لتنوحَ على كتفيه سماءُ الأنوثةِ‏
كلُّ الأغاني انتهتْ‏
واضمحلّ رنينُ الكلامْ.‏
ونادى على الماءِ:‏
يا طفلُ كنْ آخرَ الأنبياءِ!‏
وعلّقْ قميصكَ فوقَ الفراتِ! ،‏
فإنّي سئمْتُ الحياةَ‏
وأشرعتُ حزنيْ على الأرضِ كيما أموتَ‏
فقالَ له الماءُ:‏
لا لاتمتْ يا أبيْ!‏
ما أحنَّ يداكَ على كوكب الحزن‏
ما أعذب الثلجَ وهْوَ يرافقُ أنثاكَ نحوَ عرائسها‏
البِيْضِ!‏
لا لاتَمَتْ يا أبي!‏
قبلَ أنْ تتأمّلَ هذا الغروبَ طويلاً‏
وتُمضي على الأرض سبعين عاماً وعامْ.‏
فطلَّ المساءُ كذئبٍ جريحٍ.‏
يبادلُ أشجانه بالعواءِ‏
ويضربُ ريحَ الهديل‏
لتبقى بعيداً عن الدّمعِ‏
إنّ التماثيلَ ترثيهِ‏
والقِطَعُ البيضُ‏
تبكي على روحِهِ في الأعالي‏
ويَنْتَحرُ النايُ‏
لكنَّ غصناً من البيلسانِ المؤطَّر بالدَّمعِ‏
مالَ على الصُّبحِ مثلَ الأباريقِ‏
وانداحَ سِرْبُ يماماتِ زرقتهِ‏
كالبلابلِ فوق بياضِ الرُّخامْ.