آذار - أنور العطار

هـلمي  انظري قبلات الربيع
على معطف السهل والرابيهْ

سَـرَتْ فـي السموات أنفاسُه
فـعـطَّـرتِ الحقلَ والساقيهِ

وآذار  يـلـعب فوق المروج
كـمـا تـلعب الطفلة اللاهيه

يـعـانـقها  وهو جمُّ الحنين
فـتـغـريـه  بالمقلة الرانيه

ويـلـقي عليها وشاح الخلود
وألـوانـه  الـعـذبة السابيه

ويـبـعث  فيها شعاع الهوى
فـتـهـتز  من وجهه صابيه

تـألـقـت الأرض من وشيه
فـلـم تـبـق زاويـة خاليه

وقـد زيـن الـروض أفياءه
بـأحـلـى مـطارفه الكاسيه

خـمـائـله  من نسيج النعيم
تـأرج بـالـنـفـحة الذاكيه

جـواء  مـن الـطير طفاحة
تـنـغِّـمَ رائـحـةً غـاديه

كـأن الـنـسـيم أخو سكرة
تـعـايـا  من الخمرة الهانيه

*            *            *

تـعـاشـيب  ناهلة بالطيوب
مـفـضضة الثوب والحاشيه

كـأن على الأرض عرساً يقام
فـتـمـشـي إليه الدنا حابيه

تـعـالـت إلـى الله أفراحه
تـمـايـد  حـافـلـة حانيه

وهَـبَّـتْ  مواكبه الضاحكات
تـجـدد أعـيـادهـا الباهيه

ريـاحـينها  قد ملأن الفضاء
ولـم  تخل من عطرها ناحيه

ففي الجو ذابت أغاني الطيور
بـهـيـنـمة  النسمة الساليه

وفي الحقل ثار ضجيج القطيع
حـنـيـنـاً لـشبّابة الراعيه

تـذوب مـن الـحب أنغامها
فـتـخـفت من ناره الصاليه

بـراهـا  الهوى وطوت سره
فـبـان  مـن النغمة الفاشيه

فـيـالـك عرساً بهيَّ الإطار
جـديد  الرؤى والمنى الهانيه

*            *            *

هـلـمـي افتحي كوة للربيع
لـنـشـرب فـرحـته ثانيه

فقد  ملت الروح عبء الظلام
وحـنت  إلى البسمة الضاحيه

أكـان سـجـوك غير الرقاد
تـغـلـغل في المقلة الساهيه

وأغـفـل بين شعاب الجفون
تـصـاويـر من مهجة باكيه

يـبـين على صفحتيها الأنين
وتـخـشع  فيها الرؤى جاثيه

تـوهّج  من ماسها في العيون
روايـات  أحـزانها الطاغيه

هلمي  اقرئي خافيات الحظوظ
ومـا تـضمر العيشة الباغيه

ونـوحـي عـلى حلم مورق
تـبـدد  فـي السكرة الغاشيه

سـيمضي الشباب كأن لم يكن
سـوى ذكـرة حـلوة ساجيه

تـجـدد أحـلامـه الغابرات
وتـرجـع  نـشوته الماضيه

كـأن لـه مـلـعـباً ساحراً
تـنـاسـتـه  أيـامه الخاليه

تـمـوج بـأفـيائه النعميات
وتـلـمـع  فيه المنى الغانيه

بـدا  والـحـياة على جانبيه
تـنـيـه  بـأحلامها الغاويه

مـحـفـة  آذار تـلقي عليه
أزاهـيـرهـا الغضة الناديه

*            *            *

تـعـالي  نوثق عهود الهوى
ونـسـرد حـكـاياتها النائيه

ونـوقـظ لـيـاليها الغاليات
ولـولا الـهوى لم تكن غاليه

أقـاصيص ملء الربا والوهاد
تـنـاثـرن مـن أكبد شاكيه

أرجـن  وعطرن هذا الفضاء
كـمـا تـأرج الزهرة الناميه

ولـقـنّ مـنـه معاني الحياة
وأدركـن  مـن دائـه ماهيه

رويـدك  ولـنـسـتمع سره
فـإن  لـه ألـسـنـاً حاكيه

وإن لـه سـيـراً جـمـة
تـنـاقـلها  الأنفس الصاغيه

تـعـالي إلى الصدر تلقي به
شـكـايـات أضلاعه الحانيه

وأوجـاع  خـافـقه المستهام
وإرنـان  أفـيـائـه الواهيه

فـلا الـبـثُّ يـهدئ تحتانه
فـيـرتـاح  من شجوه ثانيه

ولا الـحب يوليه بعض المنى
فـيـفـرح بالمنحة الراضيه

ويـرسـل أنـغـامـه حلوة
فـتـحـيا  بها المهج الداميه

*            *            *

ولـمـا اقتسمنا دموع العيون
تـفـردت بـالـدمعة القاسيه

فـلا هي تسكن شعب الجفون
فـتـخـفى  ولا هي بالهاميه

*            *            *

أطـلـت  رنوك نحو السماء
وأطـرقـت  راهـبة خاشيه

فـهـل  تبحثين عن الغائبين
ومن  غاص في اللجة الطاميه

فـرابـتك  ضفة هذي الحياة
وخـفـت مـن الضفة التاليه

فـنحت وصحت النجاة النجاة
وأيـن الـمـفـرّ من الهاويه

هنالك  لا النور ضافي الجناح
ولا  الـطـير صادحة شاديه

خـلت من بهارج هذا الوجود
وأحـلامـه  الـحلوة الزاهيه

سوى  موجة من بنات السماء
تـحـوم  بـأرجـائها عاريه

يـشـع عـلى جانبيها الخلود
ومـا  ضـم من صور ساميه

كـأن عـلـيـها إطار النعيم
وغـبـطـتـه  اللذة الشافيه

حنانيك  لا تسبحي في الدموع
ولا تـرهـبي الراحة الناجيه

فـما  إن تقي من إسار الردى
إذا  حُـمَّ يـوم الـنَّوى واقيه

ولـيـس تـرد عليك الدموع
سـوى  حـرقـة مُرَّة واريه

ورُبَّـتَ  أمـسـيـة بـرّة
تـرفّ بـهـا الذِّكَر القاصيه

جـلـست على جنبات الغدير
أشـيـع  أمـواهـه الجاريه

أردد أشـعـاريَ الـنـائيات
وأسـتـقـبـل الـفكر الآتيه

وتـشـدو الـطيور أغاريدها
فـأخـتـار مـن فمها القافيه

وددت  مـن الغيب كل الوداد
لـو  انـي لأشـعارها راويه

ويـوحي المساء إلى خاطري
هـواجـس  غـامضة خابيه

مـوشـحـة بـطيوف العفاء
كـأن بـهـا جـنـة بـاديه

فأصغي  إلى همسه المستطاب
وأسـمـع  ألـحـانه الخافيه

أعـب  لـذاذاتـه الطافحات
وأكـرع  سـكـرته الصافيه

وأنـسـى متاعب هذا الوجود
وعـيـشـته الوحشة الجافيه

*            *            *

وغـيبوبة  مثل كهف النسور
تـضـيع  بها الأنفس الرائيه

تـوشـحـها  مائجات الغيوم
وأطـيـاف  أجنحها الضافيه

رقـيـت أعـالـيـها مفرداً
وروحـيَ  سـبـاقـة حاديه

وخـلفت جسميَ في الهامدات
تـطـيـف به الصور الفانيه

وأطللت  من فرجات الضباب
عـلـى عـالـم الرمم الباليه

تـجـردت من صفة الهالكين
ومـتـعـت بـالصفة الباقيه

وقـد  غبت عني كأن لم أكن
سـوى نـفـحة سمحة عاليه

وأنسيت  أني ابن هذا التراب
وضـجـعـته  المرة الباغيه

بـكـاء عـلـى أمـل لامع
تـطـاير  في الفينة الصاحيه

وغـلـغـل في عالم غامض
أمـانـيـه  سـاخـرة هاذيه

*            *            *

هـلـمي  افتحي كوة للضياء
لـنـنـسى  بها الكوة الداجيه

فـلـيـس  لـنا أمل بالربيع
ونـفـحـتـه العذبة الساريه

ومـا العمر غير ربيع الشباب
ربـيع الهوى والرؤى الوافيه

تـجوس  به الذكريات العذاب
ويـغـمـره الـحبّ والعافيه

إذا طاح طاحت مسالي الوجود
وغـابـت  مـفـاتنه الحاليه

وصـار إلـى عـالمٍ موحش
كـصـحـراء خـالية خاويه

*            *            *

أسـيـت لـعـمر تولى سناه
كـإيـمـاضة  الشعلة الوانيه

فـيـالـك  مـن عمر ضائع
كـمـا تـنـثر الباقة الذاويه

هوى  النجم من شرفات الحياة
فـأمـسـت على إثره هاويه

*            *            *

أفـاتـك أنـي جـمّ الجروح
أعـيـش  عـلى يدك الآسيه

فـولـيـت  عـني وخلفتني
أحـن  إلـى الساعة القاضيه

*            *            *

أمـوت وقـيـثارتي ما تزال
تـنوح  على مهجتي الصاديه