بغداد - إبراهيم الأسود

صخبت بناتُكِ والورى هُجّادُ
ما هذه ااضوضاء يا بغدادُ ؟

مِن أي صوبٍ أم لأية غايةٍ
هذا العديد وذلك الإعداد ؟!

مَن هؤلاء العُصبة الآتون في
جنح الظلام حشودهم تزدادُ ؟

حطت جموعُهمُ بأرضكِ ، مثلما
بالحقل مزدهياً يحط جرادُ

أتراه في هدفٍ نبيل ٍ جمعهم
أم أن أمراً في الخفاء يرادُ ؟

كيف استقام لهم ، وكيف تحالفوا ،
ورمَوْكِ عن قوس ٍ وهم أضدادُ ؟‍!

هل عُرِّبَ النفرُ اليهود وأسلموا
أم أن إسلام العروبة هادوا ؟

لو لم تكن في مسلمينا لوثةٌ
أو كان في إسلامهم إلحادُ

جئتم لتحرير العراق ؟ .. لُعنتمُ
حريةٌ هذي .. أم استعبادُ ؟ ..

أيكون من أجل العراق وشعبِهِ
يُفنى العراق وشعبُه ويُبادُ ؟!

أمِنَ اجل أسلحة الدمار يجوز أن
تفنى بأسلحة الدمار عبادُ ؟!

يا عُهركم ، عرباً وغرباً ، يا سوادَ
وجوهكمْ . . إذ كلُّكم قَوّادُ

ما شأنُكم حبُّ العراق ، وإنما
نفّذتُمُ ما أوعز الموسادُ

لا غرو إذ خُلق العبيد ليسمعوا
وينفِّذوا ما يأمر الأسيادُ

*** ***

بغداد يا حوتاً تعاظم شأنهُ
ما كان يسهل أنه يُصطادُ

خافته أسماك المحيط ، فأعملت
من أجله الآراء والأرصادُ

لكنه ولحكمةٍ غيبيةٍ
حل القضا واستضحك الصيادُ

يا دهشة المرأى ،وقلبكِ نابضٌ وبقيةُ الأعضاء منكِ جماد

يا حيرة الرائي ، يرى أثر السيا
ط ، وليس يدري من هو الجلاد !

يا أنتِ محتضَراً ولم يُخفِق له
عزمٌ ، ولم يَخفق عليه فؤادُ !!

وكذلك الأفذاذُ إن عَقَرت بهم
نُوَبُ الليالي يشمتُ الحُسادُ

ويقال يا بغداد أنكِ ظالمُ
متهوِّرٌ لغروره منقادُ

وجه الملامة بَيِّنٌ ، لكنّما
( أنصر أخاك ) له مدىً ومفادُ

ويح الدم العربي حين تعطلت
فيه الوشائج واعتراه فسادُ !

إن الأعاريب الذين يثيرهم
داعي الحميّة في المآزم بادوا

صاروا أحاديث المساء نقصُّها
عند المنام ليرقد الأولاد

وتراثهم أمسى رفاتاً مثلهم
قد يستحي من ذكرها الأحفاد

لو قلتِ ( معتصماه ) لم يسمعك
إلا السفح ، ثم يجيبك الترداد

أو قلتِ وا رهطاه ، لم ينجدك قع
قاعٌ ولا عمروٌ ولا مقداد

أو قلتِ وا قوماه ، لم تَعْبَأ لها
مضرٌ ولم تُجِب الصريخ إياد

وأظنهم لو أنكِ استنجدتِهِمْ
لأتوْكِ من أجداثهم ، أو كادوا

بغداد يا مجداً تراكَم أعصُراً
وضعت له أسَّ الحضارة عادُ

أرسى عليه الأولون قواعداً
شمخت على هاماتها الأمجادُ

تعمى العيون ولا نرى يا أمَّنا
هذا البناء المعتلي ينآدُ

عَزّ المصابُ وعَزّ قبلك أن نرى
حُراً تعض برجله الأقيادُ

أمّا العجيب ، فعند أول وهلةٍ
لَغَطَ الرُّواةُ وأخرس النقّادُ

صَمَتوا ولم ينبِسْ جبانٌ منهمُ
وتراءت الأضغانُ والأحقادُ

الكل طأطأ رأسهُ ، فشريفهم
عبدٌ ، يُجَر بشعرةٍ ويُقادُ

إنْ هيئةُ الأمم التي إن قَرّرَتْ
فلها دماء المسلمين مدادُ

أو مجلسُ الأمن الذي من عدلهِ
الحبل والكرسي والأعواد

أو مصرُ والأردنُّ إذ قامت لها
سوقٌ تدر عوائداً ومَزادُ

أو أنها دول الخليج ، وعلمُكمْ
هي للغزاة ذخيرةٌ وعَتادُ

كلٌّ تحيَّز للعدو ، وحبذا
لو أن ما وقفوا عليه حيادُ

ما عادت الأعرابُ تؤمِن أو تَرى
( أن الحياةَ عقيدةٌ وجهادُ )

فَزّاعةُ الإرهاب أعمت رشدهم
لم يعرفوا ما الخلد ما الإخلادُ

تركوكِ في زيزاء يعصف شرُّها
من هولها تتفطر الأكبادُ

لكن تربك يا عراق منزهٌ
عن أن تدنس طهره الأوغادُ

هذي العلوجُ شعارُها (فرق تسد)
وقوام شعبكِ نخوةٌ وعنادُ

*** ***

أسفاً عليك قتيلةً لم يرثِها ال
شعراء ، وهو الواجب المعتاد

ما أبّنُوكِ ، وهم بَنُوكِ ، وما بكى
أحدٌ ، ولم يُعلَن عليكِ حداد

بل حينما قامت لديك مآتمٌ
قامت لدى إخوانكِ الأعيادُ

لا بأس يا بغداد ، إن بقيةً
للسيف ، قد تنمو بها الأعداد

إخوان يوسف كايَدوه ، وإنهم
سجدوا له لمّا أتى الميعاد .

*** ***

يا أمة الإسلام صبراً .. إنما
للّه فينا رجعةٌ ومعادُ

تا الله ما مات العراقُ ، و إنما
هي هزةٌ ، كي يصحُوَ الرُقّادُ

ما هذه أعراضُ موتٍ ، أبشري
يا أمتي .. فلعله الميلادُ .