براعتي في امتداحي منهل النعم - إبراهيم خيكي

براعتي في امتداحي مَنَهلَ النعَمِ
قد استهلَّت بديع النظم كالعلَمِ

قد هام قلبي بتركيب الغرام فقل
بي ما تشا مطلقاً لم تقتصر هممي

كم ضل لاحٍ بلفظٍ ظلَّ ينشدهُ
والقلب ما مالَ لمَّا لامَ للندمِ

في المنهل العذب لا يختار مع ظمإٍ
مضنَى بتلفيق ما يرويه من عظمِ

قد صاح داعي الهوى تمَّممتَ دعوتهُ
وزدتَ يا صاحِ تطريفي ولم أَلُمِ

إن ذيَّل الحبُّ حبلَ الوصل منهُ بلا
فصلِ لحقتُ بنيل الجود والكرمِ

وقد تصحَّف حبُّ الغِيد عندي كما
تحرَّف القلب عن ذا السقم بالقَسَم

وملتُ نحو ابن نواء المعنوي عسى
يصير لي كابنِ رعدٍ أو أبي الاممِ

مستطرداً خلفُه خيل الغرامِ ولم
اخشَ النكال ولو فيه يُراقُ دمي

وصرتُ في حبهِ والافتتان بهِ
انعي زمانا مضى هدراً بغيرهمِ

وقد تخيَّرت موتي في محبَّتهم
ولو طلبتُ سواهُ متُّ من ندمِ

صدر المعالي لهم ترتدُّ راجعةً
كردّ عجزٍ أُعاديهم لصدرهمِ

قد أوجبوا القول أَني عن محبَّتهم
قد ملتُ قلتُ إِلى الإتلاف والعدمِ

وطال تذييل سهرى في الغرام وقد
نام الخليُّ ومُضنَى الحبّ لم يَنمِ

ومذ نأوا عن عياني عدتُ ملتفتاً
سيروا الهوينا بقلبي وارحموا سقَمي

ساروا بخيل غرامي عندما استعرت
نار الجوى في ضميري يوم بينهمِ

واستخدموا في الدجى نجاً ليرشدهم
وقد رعتهُ ضحىً أَنعامُ سربهمِ

وما اكتفيتُ بتمهيد الطريق لهم
بل رمتُ تشتيت منها شمل كلٍ كم

طابقتُ أن بدَّلوا قربي ببعدهمِ
ولا أطابقُ أن شحُّوا بوصلهمِ

ناقضتُهم أن نَوَوا هجري ولو بُدلت
حالي وعدتُ رضيعاً غير منفطمِ

قابلتُ ذلّي وفقري شقوتي نقمي
بعزهم والغنا والسعدِ والنَّعَمِ

صبرتُ في الحبّ حتى قلت ممتثلاً
مَن حاول الكيَّ فليصبر على الألمِ

جعلتُ حبَّهمُ في الناس ملتزمي
وعن هوى غيرهم اعدو كمنهزمِ

قالوا تُراجعهم ّلاً فقلت نَعَم
قالوا لمَا قلتُ هذي شيمة الخدَمِ

بهم تشابهُ أَطرافٍ حلّت بهمِ
بهم أَهيم ولو طال المدى بهمِ

قالوا القريبُ تناسى حبَّهم وسلا
فقلت مستدركاً لكن على ضرمِ

واربتُ مذ لامني اللاحي وقلتُ لهُ
حييتَ يا سمجَ الأخلاق والشيمِ

بالجدَ هازلني صحبي بقولهمِ
يهنيك أَخِصِب بجسم مذرأَ ورَمي

وأبهمَ النُّصح عذَّالي بشقشقةٍ
وليتَ شقَّ الحشا من قبل نصحهمِ

لمَّا اختبرتُ أموراً منهمُ صدرت
نزّهت قلبي بحقٍّ ودادهمِ

هجا بمعرضِ مدحٍ عاذلي شرَفي
يقول سِرتم بحمل الذلّ والتُّهَمِ

فبالتهكُّم عِبتُ المبتغي شرفَا
قد عشت معتبراً بشراك بالندمِ

تغايروا في مديح الجاه وافتخروا
وكم رمى أهلَهُ بالذلّ والنقَمِ

فلا افتخار بغير الفضل إنَّ بهِ
سهولةً تجعل الشأن الوضيع سمي

اعمل صلاحاً وأَهمل كل صالحةٍ
ودَع كلام عدوِّ الله كالعدَمِ

جمعُ الكلام اذا لم يحتفل أدباً
لم يكتسب من جناهُ لذَّة الحكمِ

كلَم أَخا دَعَةٍ تَعُد أخا ملكٍ
فيستوي منك قلبٌ غير منقسمِ

ان شكَّكت عينُك اليمنى فأَقلعها
وأَلقِها تقتبس نوراً وأنت عمِ

فمن توجَّه نحو الله منتصباً
بكَسرة القلب يبنيهِ كم العلمِ

اذا تزاوج ذنبي واعترفتُ لهُ
نفى عذابي وكافاني على الندم

وما رجعتُ الى نفسي أُوّنبها
نعَم رجعتُ ولكن عند مُنهَزمي

يا نفسٍ أَصغي لعتبي واقبليهِ كفى
كم تلزميني بفعل غير مخنشمِ

فهل يبرّرني تسليم خدعتكِ
فلا لعمري ولو عدتُ الى العدَمِ

لا كنت حياً ولا بُلّغت نيل منًى
إن كنت اصغي لدعواكِ وذا قسمي

حتى استعينَ على حسن انتخلَص من
ما قد جنيتُ بمدحي معدن الكرمِ

يسوعُ بكر الاله ابن البتول نجا
ر الأنبياء وربٌّ في اطرادهمِ

نورُ الوجودِ وُجودُ النورِ منهُ بدا
في الكون يا عكس شعبٍ عن سناهُ عمِي

فردٌ بهِ كلٌّ اجزاء الورى انحصرت
وذاتهُ علَّة الأكوان من عدمِ

طبعٌ تثلَّث والتفسير جاَء أبٌ
وابنٌ وروحٌ الهٌ غير منقسمِ

فالآب اولدهُ والروح أَيدهُ
والخَلقُ تعبدهُ مماثلي الخدَمِ

ومذهبي في كلامي عن تجسُّدهِ
لو لم يكن ما تخلَّصنا من النقم

لمَّا بدا لاح تشريع الخلاص
لنا حزنا الفدا وهدانا أوضح اللَّقَمِ

شيئان قد اشبها شيئين حين بدا
وجودهُ في الدُّنى كالنور في الظلمِ

ناسوتُه طاهرٌ والبرَ ناسبهُ
لاهوتهُ ظاهرٌ والسرّ كالعلمِ

وافى لينقذ حوَّا من خطيئتها
وتمَّم الفضل إذ أوفى عنِ الأممِ

قد ردَّ مجدِ أبيهِ في ولادتهِ
وقد رضي الله بعد الغيظ والندمِ

فهو الجليل وفي أرض الجليل بدا
جليلُ ترديدهِ في غاية الحكمِ

تعليمهُ عِبٌ ما شانُه كذبٌ
يُنبيك عن حكمِ تشطيرُ محتكمِ

ومن اشارتهِ في وعظهِ رجعت
جمع الخلائق عمَّا في نفوسهمِ

قد أَوغل السيرَ بالتبشير مجتهداً
على هدى شعبهِ بل سائر الأممِ

تؤلف الوزنَ والمعنى بشارتُه
لأَنها قد أَتت في غاية الحكمِ

توشيع آياتهِ مذ أُعلنت فضحت
ضلالة الملحدينِ ابليس والصنمِ

تقسيمهُ معجزات في ذرى عللِ
كالبرص والصمِّ والعميان والبكمِ

ايجازُ أوصافِ ما أَبدت يداهُ يُرى
في الارض والبحر والأفلاك والنسمِ

توارد الجود فاضت من يديهِ ولم
تكفَّ حتى الدما اجرتهُ كالديمِ

وقد تعوَّد بسط الكفّ مبتهجاً
حتى على العود أعطاها بلا ندمِ

جمعٌ تقسَّم في آلامهِ قسماً
فالنفس في نعم والجسمُ في أَلمِ

وجسمهُ من نحول كالخلال غدا
وقد تشبَّه نور الوجه بالظلم

حتى تجاهل فيه الناسُ معرفةً
قالوا بهِ سقمٌ أم بالنبال رُمي

وقد تورَّى جمال الوجه مستترا
لمَّا عراهُ الحيا في ضيقة الرَجمِ

في موتهِ قد تساوى بالأنام وفي
نهوضه اشتهر اللاهوت كالعلمِ

جلَّت قيامتُه بالانتصار وقد
غرَّت قلوباً من التوهيم في غممِ

صعودهُ اخترع النهج القويم لنا
كي نرقى منهُ بجنح البرّ والنعمِ

رقى على السحب بل فوق الكوكب بل
فوق السماء بإضراب عن الاكمِ

وارسل الروح من تلقاهُ منسجماً
على تلاميذهِ كالألسن الضُرُمِ

وقال سيروا أنا معكم بلا جزعِ
تسهَّموا الأرض وادعوا سائر الأممِ

فمن تركتم خطاياهً لهُ تركت
ومن عقدتم عليهِ الحرم ينحرمِ

فاردفوا كل مأوى الحب وانعطفوا
نحو الذي مات حباً في خلاصهمِ

تمكَّنوا من وصاياهُ وقد طفقوا
يسعون بين الذئاب الطُّلس كالغنمِ

توزَّعوا منزعين العجز وانتزعوا
باعلزبوبَ وعدواهُ بعزمهمِ

الباذلوا الحبَّ قد لذّت نفوسهم
فيما النفوس تراهُ غاية الألمِ

دماهمُ روت البيداء مذ نزعوا
رواية الكفر في تصحيح قولهمِ

عطر السماء بدمع والدما اشتركا
سما الربا لا سما الأجرام والديم

كم صرعوا حاسديهم في رداتهم
كم ابردوا قاصديهم في صلاتهمِ

فالفضل مؤتلفٌ فيهم ومختلفٌ
لأنَّ بطرس يسمو فوق كلّهمِ

قد قام فيهم إِمام فاق اخوتهُ
فهو الصفا مُوضح الإشكال للأممِ

إيمان بطرس نور الحقِّ معتقدي
نكّت على من عصى بل عن سناهُ عمي

من يخسر العمر والدنيا بهم ربح
الدارين في حبهِ حسن اتباعهمِ

أو يعطف القلب يوماً نحو حبِّهم
أو يعطفون به في حُسنِ دينهمِ

تؤلَف اللفظَ والمعنى رسالتهم
تأَلُّفَ الوعظ بالآيات والحكمِ

كم رصَّعوا حكماً من دُرّ وعظهم
كم فرّعوا نعماً من برّ لفظهمِ

فاللفظ كالدرّ والعقيان مؤتلف
باللفظ فيهم كمنثورٍ ومنتظمِ

سمّط عقودهمُ وارفع بنودهمُ
واخمد حسودهم بالذل والغممِ

فما الملائكن في برّ وفي ثقةٍ
يوماً بأَطهر من تفريع برهمِ

طُهر النفوس اتساع الرأيُ خُصَّ بهم
بيض القلوب حسان الخلق والشيمِ

نُحل الجسوم ومقروحو الجفون وهي
تُكنِي عن النسك والإسهار والندمِ

تنسيق مجدهم تنميق مدحهمِ
توفيق سعدهمِ ينبي عن العظمِ

تلقى الهياكل في أعيادهم عقدت
فرائد الدرّ من الحان والنغمِ

سجعي بمدهم قد صار من قسمي
اذ فيهِ مغتنمٌ في موقف الحكمِ

جزَّيت من كلمي ردَّيت من قلمي
أبديتُ من حكمي أهديت كل عمِ

مدحي بمعرض ذمّ قد يخصُّ بهم
لا عيب فيهم سوى إِكرام ربّهمِ

من قد أعدَّ لهم ملكاً واكمله
مذ خصّهم أن يدينوا سائر الأممِ

مخلّص رام تخليص العباد وقد
وافى وخلَّصهم بعد انشقاقهمِ

قد ابدع العدل في شرعٍ سما فنما
واينع الفضل فرعاً في حماهُ حمي

وفُلكُ نوحٍ أتت عنوان بيعتهِ
فمن يَلجها نجا من لجَّة العدمِ

كم هدَّ ركن ضلالٍ حين أسَّها
وكم ترشَّح منها الخير كالديمِ

تلميح أنوارها أمست مشعشعةً
ضاهت أورَشليمهُ العلياَء في الظلمِ

وحيدة جمعت قدَّ الرسالة في
ترتيب أنوارها للعرب والعجمِ

لي منها ماء ينابيع الحياة بهِ
يُطفى أُوامي بتجريد من النقمِ

أهل الهدى قد أطاعوا شرع بيعتهِ
وقد عصاهُ العدى من فرط كفرهمِ

ما رام بالسيف يحمي حقّ مذهبهِ
ولا تعرَّض للإلزام والرغمِ

وداعةٌ واتضاع مع تقي ونقى
قد جمَّعتهم سجاياهُ مع الكرمِ

تعديد أوصافهم للربّ يعلنُه
مولَى عظيماً الهاً بارىء النسمِ

طيٌّ ونشر وتقريبٌ بهِ وجفاً
للغدر والودّ والافضال والاضمِ

لو لم يُقم أمَّهُ ملجاً لأُمتهِ
لَمَا تعلَّل انقاذي من النقمِ

بها مجازي الى باب النعيم وهي
باب السماء وبيت الحقّ والحكمِ

وهي النجاة لكل المؤمنين وقل
كل الأنام وإن بالغتَ لم تُلَمِ

فلو ترى توبة الشيطان ممكنةً
لأَغرقتهُ بتيَّار من النعمِ

كادت تردُّ زماناً فيهِ قد سقطت
كل الأنام لكي تغلو بحفظهمِ

قالوا هي العرش والتفريق بينهما
للعرش موطا وهي ترقاهُ بالقدمِ

تأديب سيرتها الحسناء يخبرنا
عن حسن تهذيبها للطبع والشيمِ

فإن توَّشحت الاكرامَ لا عجبٌ
لأنها عينُ تمِّ الجود والكرمِ

من كان نسبتهُ نعتاً لامَّتهِ
فتلك أنصارهُ حسب اتفاقهمِ

شغلي بتطريز مدحي فيهِ مغتنمي
يا خير مغتنمِ يا خير مغتنمِ

يداهُ كالبحر في تفريق ما جمعت
وفيضهُ البحر كم روى فؤَاداً ظمي

يعطي بشحّ وسحّ ثم يوضحهُ
شحٌّ لمستغمِ سحٌّ لذي كرمِ

حلٌّ وغلٌّ لهُ للمعنيين غدا
تألُّفٌ نحو مأسورِ ومحتكمِ

لا ينتفي منهُ ايجاد الجميل ولا
يعطي بشحّ ومَن يقصده يغتنمِ

كرّرِ وسل شيم المستحسن الشيمِ
المستحسن الشيمِ المستحسن الشيمِ

وابكِ ونُح وانتحب فارضخ وُجد فأَنِل
فوّف وسر وابتهج واطلب وصل ورُمِ

واصغَ لقولي اذا حاجيتُ ملتفتاً
من جاز بحراً فهل يحصيه بالقدمِ

واعط ليومك ما يحتاج من اسف
واطرح لما فيهِ تُكفَ حلَّ لغزهمِ

من شام تلويح إِيهام وجدَّ على
تحصيلهِ وجد السلوان في الغممِ

لقد تبيَّن لي حسن البيان وقد
تظاهر الحقُّ والبرهان كالعلمِ

من شام طرفي بروقاً من سناهُ اضت
راعي النظير بدمع فاض كالديمِ

وابيضَّ أَسودُ حظّي حين دبَّج في
صفر الخدود ومجاري مدمعي العنمِ

لذاك قد جئتُ يا مولاي معترفاً
بما تفصَّل من ذلي ومحتكمي

فلو سمحتَ بعنفي لستُ معترضاً
حزتُ النجاة وكم سامحت للندمِ

سلبتَ نعماك عدلا من ذوي كسل
وزدت محترساً فضلاً على النعمِ

تُشاكل الخير خيراً والمسيَء أسى
والشرّ شرّاً وذا الإحسان بالكرمِ

فاعضد بنيك ولو ابقيت مندمجاً
بذلّتي غير جودك قط لم أرُمِ

سلبتَ كل رجاءِ في الأنام وقد
أوجبت فيك الرجا يا عين مغتنمِ

غادرتَ رأدَا وما استثنيت من أحدِ
الاَّك يا منقذي في يوم محتكمي

فاحنن عسى القلبِ يحظى قبل غايتهِ
بعاطف منك لولا نورهُ لعمي

أنا الطبيبُ المرّجي عفو ذنبيَ
ابراهيم مستشهداً دمعي على الندمِ

أرجوك بعد مديحي والتخلص من
تاريخهِ أن تنجّيني من الضرمِ

براعتي أظهرت ما فيَّ من طلبٍ
فلا احتياج إِلى التعريج بالكلمِ

من قبل بر حسابي يوم محتكمي
أرجو الخلاص وأُعطى حسن مختتمي