ألفُ ليلةٍ عربيةٍ...وليلة - إبراهيم طيار

أضغاثُ أحلامٍ هي الكلماتُ..
لا تكتب إذاً
قم من سريرِ الشّعرِ..
وانفض عن ملامحكَ الوسنْ
وتقيّأ الحلمَ الذي عاقرتهُ ليلاً..
وعُدْ من عالمِ الأرواحِ..
مغلولاً..
إلى سجنِ البدنْ
أضغاثُ أحلامٍ..
وعندَ الفجرِ تَسكتُ شهرزادْ
أولستَ أنتَ كشهرزادْ ؟
تنمو القصائدُ في يديكَ سنابلاً..
وتظلُّ كالوهمِ الجميلِ..
بلا حصادْ
أولستَ تنفثُ كالحواةِ على المِدادْ
ليصيرَ مثل أميرةٍ..
ويصيرَ كفّكَ هودجاً لأميرةٍ..
وتجرّهُ من بعدُ..
أحرفكَ البهيّةُ كالجيّادْ
أولستَ من جعلَ القصيدةَ واحةً..
يا سندبادْ
وتركتنا نصطافُ في أفيائها زمناً..
وقلتَ:هو المُرادْ
دعهمْ..
فهمْ عشقوا السّكينةَ والرّقادْ
دعهمْ سيعتادونَ..
والموتُ اعتيادْ
يا شاعرَ الأحلامِ..
أمسكْ..
نحنُ في زمنِ الكسادْ
الحلمُ لا ينمو هنا..
وسطََ الرّمادْ
وحروفكَ المهتزّة الأردافِ..
لن تجدي..
فقد عمَّ الحدادْ
قلْ أيّ شيءٍ آخرٍ..
قل ما ترى..
مالا نرى..
ما قد نُحسُّ ولا نرى..
فلقد مللنا من حكايا شهرزادْ
هوَ شأنكمْ..
وأنا سأرسمُ وجهَ واقعكمْ
كما شئتمْ..
وأبدأ بالسّوادْ
وأمرّر الفرشاةَ كالسّكينِ فوق خريطةٍ..
تدعى مجازاً..
بالبلادْ
ومن المحيطِ إلى الخليجِ..
سأنبشُّ النيرانَ مثل الرّيحِ..
من تحتِ الرمادْ
سترونَ أنّ قصيدتي..
ليست ككلِّ قصائدي..
شيئاً يُعادُ ويستعادْ
هي لوحةٌ..
أو قصةٌ..
أو أيّ شيءٍ آخرٍ..
نظريّةٌ..
فتوى..
اجتهادْ
لا فرقَ فالأسماءُ تسقطُ..
حينَما تضعُ القصيدةُ إصبعي..
فوقَ الزّنادْ
زعموا بأنّ العالمَ العربي..
أصبح كالمزادْ
لا تسألوني: ما المزاد ؟
الأمرُ أكبرُ من مخيلتي..
ولستُ محنّكاً في الاقتصاد
لكن على جهلي اكتشفتُ..
بأنّ "دكّان التنازلِ "..
"شطّبتْ "...
من كلِّ شيءٍ صالحٍ للبيعِ فيها..
أو تكادْ
زعموا بأنَّ خيانةً حدثتْ..
وأنّ الرّومَ قد دخلوا البلادْ
لا تسألوني:ما الخيانة..؟
إنّها أمرٌ طبيعيٌ..
وروتينٌ..
وتاريخٌ مُعادْ
أولمْ تروا في نشرةِ الأخبارِ..
آلَ العلقميّ..
يقدّمونَ لقيصرِ الرّومانِ ..
"أوراقَ اعتمادْ "
زعموا بأنّ الحربَ دائرةٌ..
نظرتُ..
فلم أجدْ في ساحةِ الميدانِ..
سيفاً أو جوادْ
وسألتُ عن قومي..
فقيلَ:نساؤهمْ أُخذتْ سبايا..
والرّجالُ على الحيادْ
زعموا بأن سيوفهمْ..
لانتْ..
وصارتْ كالخصورْ
تهتزُّ في الأعراسِِ..
ترقصُ في الملاهي والقصورْ
زعموا بأنَّ خيولهمْ..
خلعتْ سنابكها..
وفرّتْ من مواقعها..
ولاذتْ..
بالحظائرِ كالحميرْ
زعموا بأنّ النّصرَ صارَ محرّماً..
إلاّ انتصاراً في السّريرْ
لا تسألوني:ما السرير ؟
هو ما تبقى للرجولةِ كي تدومَ..
وما تبقى للقبائلِ..
كي تغيرْ
هو ما تبقى من فتوحاتٍ لنا..
من بعدِ أندلسِ الصّغيرْ *
ولربّما يأتي زمانٌ..
فيهِ يطردنا السّريرْ
متذرّعاً "بحمايةٍ دوليةٍ "..
وبحقِّ تقريرِِ المصيرْ
زعموا بأنّ مُقاوماً من أمّتي..
صاحَ:النّفيرْ
الرّومُ خلفَ السّورِ..
فاستمِعوا..
أنا لكمُ النّذيرْ
الرّومُ فوقَ السّورِ..
فاستمِعوا..
أنا لكمُ النّذيرْ
الرّوم عندَ البّابِ..
فاستمِعوا..
أنا لكمُ النّذيرْ
الرّومُ قد دخلوا..
أنا لكمُ النّذيرْ
الرّومُ..
تبّاً..
من يُجيبُ..؟
ولا أرى إلاّ القبورْ
كسرَ السلاسلَ والقيودَ..
وهبَّ كالأسدِ الهصورْ
ومضى يقاتلُ وحدهُ..
ويصيحُ رغمَ جراحهِ..
"هل من نصيرْ"
وتردّدتْ كلماتهُ..
"هل من نصيرْ"
صفعتْ وجوهَ النّائمينَ..
على الأرائكِ والحريرْ
داستْ على كلّ الأنوفِ..
وكلّ أعوادِ البخورْ
بصقتْ على كلِّ اللحى..
المُتمسّحاتِ بنعلِ جاريةِ الأميرْ
وتقيّأتْ فوقَ الشفاهِ..
الصافراتِِ من الشّخيرْ
وتردّدتْ كلماتهُ..
"هل من نصيرْ"
وبكتْ حجارة كربلاءْ
بكى التُّرابُ..
بكتْ يدي..
والحبرُ..
والأوراقُ..
والكلماتُ فيها والسّطورْ
وأجبتهُ..
والدّمعُ في عينيّ بركانٌ يثورْ
يا سيّدي..
ما من نصيرْ
القومُ كالغلمانِ..
ما فيهمْ جَسورْ
القومُ كالخرفانِ..
والخرفانُ يوماً..
ما تعوّدتِ الزّئيرْ
زعموا بأنَّ الشّمسَ فجراً..
أشرقتْ..
والأرضُ ظلّتْ بعدَ مقتلهِ تدورْ
لا تعجبوا..
فالأمرُ عاديٌّ وأيسر مِن يسيرْ
من ألفِ عامٍ في بلادي..
هكذا تجري الأمورْ
زعموا..
وما زعمتْ يديّ..
ولا الأصابعُ في يديّ..
ولا اللسانُ ولا القلمْ
أنا ناقلٌ للكفرِ..
في زمنٍ به الكلماتُ تكفرُ..
إن أضاءتْ في الظُلمْ
أو أنها صرختْ جهاراً من ألمْ
أو أنها نادتْ بربٍّ واحدٍ..
أو أنها كسرتْ صنمْ
زعموا بانّ قصيدتي..
كالنّارِ كانت تحتَ جلديَ تضطرمْ
وتصيحُ بي كلماتها..
كالرّعدِ من كلِّ الجّهاتِ..
وترتمي فوقي كآلافِ الحممْ
زعموا بأنّ مشاعري..
يا ناسُ..
من لحمٍ ودمْ
وأنا ككلِّ النّاسِ..
لي قلبٌ..
وأحداقٌ وفمْ
أبكي على وطنٍ يُباعُ ويُشترى..
وعلى مذلّةِ أُمّتي بين الأممْ
أبكي على قومٍ نيامٍ..
في سراديبِ العدمْ
وعلى عيونٍ أُطبقتْ أجفانها..
وعلى عقولٍ أُطبقتْ أكفانها..
وعلى العمى..
والبُكمِ فيها والصّممْ
أبكي..
ويسحقني الألمْ
زعموا بأنّ قصائدي ابيضّتْ من الأحزانِ..
والأوراقُ شابتْ..
قلتُ:ما من عادتي أن أنهزمْ
من هذهِ الأوراقِ يوماً..
سوفَ ترتفعُ القِممْ
وقصائدي يوماً..
ستحترفُ الصّهيلَ..
وعندها..
لا بدَّ أن أضعَ النقاطَ على الحروفِ..
وأنتقِمْ
_____________
* أبو عبد الله الصغير آخر ملوك بني الأحمر – خرج من غرناطة باكياً بعد سقوطها
قالت لهُ أمه: "ابك اليوم بكاء النساء على ملك لم تحفظه حفظ الرجال".