النبع المسحور - بدوي الجبل

بردك فوق الخصر جار الرؤى
فخلفه تطفر جنّيّتان

شيطانتان اصطفتا جنّة
قد تؤنس الجنّة شيطانتان

دارت على الظمأى حميّاهما
فاللهو في الجنّة طلق العنان

يدنيهما الشوق و لم تدنوا
فهل هما نهدان أم نجمتان

تموج ألحان الصبا فيهما
كأنّما نهداك أغرودتان

عشّان لا للطّير بل للهوى
عشّان ، بل للمسك قاروتان

عندي طيوب لك أعددتها
عطر لباناتي و عطر البيان

رشّا على حسنك ريّاهما
فهل درى عطراي ما يفعلان

حسنك عطر العطر في جنّتي
على غناها و لبان اللبان

فاغدي على الرمل و روحي يضع
ورد و يفرش طيبه أقحوان

عيناك بحر حين أغفى انحنت
فلملمت أحلامه الضفّتان

تغفو بعينيك طيوف المنى
عيناك للأشواق أرجوحتان

قلبي و قرطاك حليفا ضنى
ألم يئن أن يتعب الخافقان

و خصلتان ارتاحتا في يدي
من الدجى المخمور مسكوبتان

شذاهما باق و إن غابتا
كأنّما فرعاك ريحانتان

تغامزين البدر في موعد
فغرت لمّا التقت الغمزتان

ينمنم الأحلام فضّيّة
و تنسج الشمس لك الأرجوان

و ملكك البدر و شمس الضحى
و ما يصوغان و ما يغزلان

قد باح جفناك بسرّ الدجى
جفناك من سرّ الدجى مترعان

تضحك عيناك و إن جدّتا
لا سحر في عينين لا تضحكان

تنطق عيناك و لم تنطقي
و قد تطيلان و قد توجزان

و لم تضيقا بمعاني الهوى
ألا تلومان ألا تتعبان

***

رشيقة الأحزان و القدّ . هل
ينبت في جمر الغضا غصن بان

نزلت قلبي سدرة المنتهى
ما أرز لبنان و ما الغوطتان

و بيننا قربى الشذى للشذى
ألحسن و الشعر رضيعا لبان

ترشف من نهديك إغفاءتي
كأسين قد أترعتا بنت حان

طافت بك الكأس فرنّحتها
و جنّ لمّا شمّك الزعفران

نبع الصبا المسحور يشتفّه
قلبي و السمراء و الفرقدان

نشتفّه حتّى ثمّالاته
فنحن لا نفنى و يفنى الزمان

نشتفّه حتّى يعود الصبا
و اللّمّة السوداء و العنفوان

و بيننا في ربوة سمحة
حلو السفوح الخضر ، حلو الرعان

و غابة يغفو الضحى عندها
و شمسها تغرب قبل الأوان

قبورنا فيها بلا وحشة
يؤنسها في الوحدة السنديان

و قبّة تحرس كنز الدجى
كأنّها في الغابة الديدبان

و النبع و القبّة في هدأة
يسرع دهر و هما وانيان

ما هزّت الدنيا أناتيهما
فتغرب الدنيا و لا يدهشان

و لوّحت من بعض أفيائنا
كفّان بالحنّاء مخضوبتان

حضنت في السمراء دنيا المنى
حين التقينا كبّر العالمان

جزنا حدودو الكون ، لا مشرقان
في جلوة النّور ، و لا مغربان

جزنا حدود الكون ، حتّى التقى
كلّ مغيب عندنا بالعيان

و عاد للأنجم ما ضاع من
أضوائها و اعتنق الأزهران

و اختصر الدنيا شذا مسكر
أو لهفة عذراء أو قبلتان

بحت بأسراري فعبّوا الشذى
فضّت عن الراح العتيق الدنان

نا غاب عن أعراسنا أهلنا
ألشمس و الأنجم في المهرجان

و الناس لا تعرف أحزاننا
يرثى لنا الشوق و يبكي الحنان

يرفعني الموج . إلى شاهق
و حطّني .. لا تهدأ الكفّتان

زلزلت الأمواج زلزالها
و احتضنتها دجنة من دخان

قد رجّها العاصف حتى طغى
لؤلؤها – طوع يدي و الجمان

و محنة طالت و أكرمتها
بالصبر حتّى ملّ دهر فلان

لا يقنط الحرّ و لا يشتكي
لكلّ بحر هائج شاطئان

فتّشت عن خوفي فلم ألفه
كيف أرى الخوف و أنت الأمان

***

قرّبنا الله ففوق الزمان
نحن مع النور و فوق المكان

يضوّئ الظلمة إيماننا
و يسكر الفجر رحيق الأذان

نحن و قلبانا و أسرارنا
شوق إلى الله و أغنيّتان

أوجهها أم بيته قبلتي
أستغفر الله فلي قبلتان

نريد جمرا لبخور الهوى
في النار هذا الجمر لا في الجنان

صلاتنا النور فمن وهجها
شعّ الضحى و أتلق النيّران

من وردنا الأفلاك تسبيحة
و الصبح و النجمة تكبيرتان

تغمزني الشمس عناق الهوى
فلفّني من فرعها خصلتان

وجهي – و لم تخدع أساريره -
و القلب مرآتان مجلوّتان

كتبت ( بسم الله ) فالطرس من
عدن ( و بسم الله ) حوريّتان

لم يعنني عسر و لا شدّة
الله و السمراء لي المستعان

عرّيت فقري عند بابيهما
و تعذّب الشكوى و يحلو الهوان