الكعبة الزهراء - بدوي الجبل

بنور على أم القرى و بطيب
غسلت فؤادي من أسى و لهيب

لثمت الثّرى سبعا و كحّلت مقلتي
بحسن كأسرار السماء مهيب

و أمسكت قلبي لا يطير إلى (منى)
بأعبائه من لهفة و وجيب

فيا مهجتي : وادي الأمين محمد
خصيب الهدى : و الزرع غير خصيب

هنا الكعبة الزّهراء . و الوحي و الشذا
هنا النور. فافني في هواه و ذوبي

و يا مهجتي : بين الحطيم و زمزم
تركت دموعي شافعا لذنوبي

و في الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي
و عطّر أبواب السماء نحيبي

***

و ردّدت الصحراء شرقا و مغربا
صدى نغم من لوعة و رتوب

تلاقوا عليها ، من غني و معدم
و من صبية زغب الجناح و شيب

نظائر فيها : بردهم برد محرم
يضوع شذا : و القلب قلب منيب

أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا
بأفيح – من عفو الإله – رحيب

و ذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد
ورقّ لخوف الله كلّ صليب

***

و لو أنّ عندي للشّباب بقيّة
خففت إليها فوق ظهر نجيب

و لي غفوة في كلّ ظلّ لقيته
و وقفة سقيا عند كلّ قليب

هتكت حجاب الصّمت بيني و بينها
(بشبّابة) سكرى الحنين خلوب

حسبت بها جنّيّة (معبدية)
و فرّجت عن غماّئها بثقوب

***

و ركب عليها ، وسم أخفاق عيسهم
وهام تهاوت للكرى و جنوب

و ألف سراب ، ما كفرت بحسنها
و إن فاجأت غدرانها بنضوب

و ضجّة صمت جلجلت . ثمّ وادعت
و رقّت ، كأخفى همسة و دبيب

و أطياف جنّ في بحار رمالها
تصارع حالي طفوة و رسوب

و تعطفني آلآرام فيها نوافر
إلى رشأ في الغوطتين ربيب

يعلّلني – و الصدق فيه سجية
بوعد مطول باللقاء كذوب

و بدّلت حسنا ضاحك الدلّ ناعما
بحسن عنيف في الرّمال كئيب

و من صحب الصحراء هام بعالم
من السحر جنّي الطيوف رهيب

و للفلك الأسمى ، فضول لسرها
ففي كلّ نجم منه عين رقيب

***

أرى بخيال السّحب – خطو محمد
على مخصب من بيدها و جديب

و سمر خيام مزّق الصمت عندها
حماحم خيل بشّرت بركوب

و نارا على نجد من الرمل أوقدت
لنجدة محروم و غوث حريب

و تكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا
نعيم فياف و اخضلال سهوب

أشمّ الرمال السمر : في كلّ حفنة
من الرّمل ، دنيا من هوى و طيوب

على كلّ نجد منه نفح ملائك
و في كلّ واد منه سرّ غيوب

توحّدت بالصحراء . حتّى مغيبها
و مشهدها من مشهدي و مغيبي

ومن هذه الصحراء ، أنوار مرسل
و رايات منصور . و بدع خطيب

و من هذه الصحراء ، شعر تبرّجت
به كلّ سكرى بالدلال عروب

تعطّر في أنغامه و رحيقه
وريّاه :عطري مبسم و سبيب

ترشّ النجوم النور فيها ممسّكا
فأترع أحلامي و أهرق كوبي

و ما أكرم الصحراء .. تصدى .. و نـمنمت
لنا برد ظل كالنعيم رطيب

و يغفو لها التاريخ . حتّى ترجّه
بداهية صلب القناة أريب

شكا الدّهر ممّا أتعبته رمالها
و لم تشك فيه من ونى و لغوب

و صبر من الصحراء ، أحكمت نسجه
سموت به عن محنتي و كروبي

و من هذه الصحراء .. صيغت سجيّتي
فكلّ عجيب الدّهر غير عجيب

يرنّح شعري باللوى كلّ بانة
و يندى بشعري فيه كلّ كثيب

و لولا الجراح الداميات بمهجتي
لأسكر نجدا و الحجاز نسيبي

و هيهات ما لوم الكريم سجيّتي
و لا بغضه عند الجفاء نصيبي

نقلت إلى قلبي حياء و عفّة
أسارير وجهي من أسى و قطوب

و عرّتني الأيّام ممّن أحبّهم
كأيك – تحاماه الرّبيع – سليب

و رب ّ بعيد عنك أحلى من المنى
و ربّ قريب الدّار غير قريب

و ويح الغواني : ما أمنت خطوبها
و قد أمنت بعد المشيب خطوبي

و كيف و ثوبي للزّمان و أهله
و للشيّب أصفاد يعقن و ثوبي

أفي كلّ يوم لوعة بعد لوعة
لغربة أهل أو لفقد حبيب

و يارب : في قلبي ندوب جديدة
تريد القرى من سالفات ندوب

يريد حسابي ظالم بعد ظالم
و ما غير جبّار السماء حسيبي

و يا رب : صن بالحبّ قومي مؤلفا
شتات قلوب لا شتات دروب

و يا رب : لا تقبل صغاء بشاشة
إذ لم يصاحبه صفاء قلوب

تداووا من الجلىّ بجلىّ .. و خلّفوا
وراءهم الإسلام خير طبيب

***

و يا رب : في الإسلام نور و رحمة
و شوق نسيب نازح لنسيب

فألّف على الإسلام دنيا تمزّقت
إلى أمم مقهورة و شعوب

وكلّ بعيد حجّ للبيت أو هفا
إليه- و إن شطّ المزار – قريبي

سجايا من الإسلام : سمح حنانها
فلا شعب عن نعمائها بغريب

***

و آمنت أنّ الحبّ خير ونعمة
و لا خير عندي في وغى و حروب

و كلّ خصيب الكف فتحا وصولة
فداء لكف بالعبير خضيب

و آمنت أنّ الحب و النور واحد
و يكفر بالآلاء كلّ مريب

و لو كان في وسعي حنانا و رحمة
لجنّبت أعدائي لقاء شعوبي

***

و يا رب : لم أشرك و لم أعرف الأذى
و صنت شبابي عنهما و مشيبي

و إنّي – و إن جاوزت هذين سالما-
لأكبر -لولا جود عفوك- حوبي

و أهرب كبرا أو حياء لزلّتي
و منك ، نعم ، لكن إليك هروبي

و أجلو عيوبي نادمات حواسرا
و أستر إلاّ في حماك عيوبي

و أيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر
معنّى بألوان الجمال طروب

و لو شهدت حور الجنان مدامعي
ترشّفن في هول الحساب غروبي

***

مدحت رسول الله أرجو ثوابه
و حاشا الندى أن لا يكون مثيبي

وقفت بباب الله ثمّ ببابه
وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب

صفاء على اسم الله غير مكدّر
و حب لذات الله غير مشوب

و أزهى بتظليل الغمام لأحمد
و عذب برود من يديه سروب

فإن كان سرّ الله فوق غمامة
تظلّ و ماء سائغ لشروب

ففي معجز القرآن و الدولة التي
بناها عليه مقنع للبيب

***

و يا رب عند القبر قبر محمد
دعاء قريح المقلتين سليب

بجمر هوى عند الحجيج لمكّة
و دمع على طهر ( المقام ) سكوب

بشوق على نغماه ، ضمّ جوانح
و وجد على ريّاه زرّ جيوب

ترفّق بقومي و احمهم من ملمّة
لقد نشبت أو آذنت بنشوب

وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى
فقد ترجع الأحلام بعد عزوب

وردّ القلوب الحاقدات إلى ند
من الحبّ فوّاح الظلال عشيب

***

تدفقت الأمواج و اللّيل كافر
و هبّ جنون الرّيح كلّ هبوب

رمى اليمّ انضاء السفين بمارد
من اليمّ تيّاه الحتوف غضوب

يزلزلها يمنى و يسرى مزمجرا
و يضغمها من هوله بنيوب

يرقّصها حينا و حينا يرجّها
و يوجز حالي هدأة و وثوب

و ترفعها عجلى و عجلى تحطّها
لعوب من الأمواج جدّ لعوب

و أيقن أنضاء السفينة بالردى
يطالعهم في جيئة و ذهوب

و لمّا استطال اليأس يكسو وجوههم
بألوانه من صفرة و شحوب

دعوا : يا أبا الزهراء و الحتف زاحف
عليهم : لقد وفّقتم بمجيب

و أسلست الرّيح القياد كأنها
نسيم هفا من شمأل و جنوب

و باده لطف الله من يمن أحمد
ببرد على عري الرّجاء – قشيب

***

و أقعدني عنك الضّنى فبعثتها
شوارد شعر لم ترع بضريب

و ترشدها أطياب قبرك في الدجى
فتعصمها من حيرة و نكوب

و عند أبي الزهراء حطّت رحالها
بساح جواد للثناء كسوب

***

جلوت على وادي العقيق فريدتي
ففاز حسيب منهما بحسيب

تتيه حضارات الشعوب بشاعر
و تكمل أسباب العلى بأديب

و عند أبي الزهراء حطّت رحالها
بساح جواد للثناء كسوب

***

جلوت على وادي العقيق فريدتي
ففاز حسيب منهما بحسيب

تتيه حضارات الشعوب بشاعر
و تكمل أسباب العلى بأديب