البلبل الصريع - بدوي الجبل

بلبلي مات حبيسا باكيا
لوعة الشعر على ذاك الحبيس

فقد الصبح أناشيد الهوى
بعده و أنفرط العقد النفيس

عطّلوا المجلس يا سمّاره
و أريقوا يا نداماي الكؤوس

قد قضى اليوم جليسي و مضى
لا تطيب الخمر من غير جليس

ما لأغصان الرّبى من بعده
تتهادى عاريات و تميس

و عروس الزهر هل يضحكها
مشرق الشمس و قد مات العريس

ويل أمّ الظلم ثكلى دائما
فنيت طسم و لم تبق جديس

إنّما الدّنيا لمن كافحها
و مشى مستلئما وسط الخميس

بلبلي مات و لم تنج به
وصفه ((الرازي)) و لا طبّ ((الرئيس))

كفّنوه بأزاهير الرّبى
و اغسلوه بالمدام الخندريس

و اصرفوا عنّي لميسا مالذي
أبقت الأحزان منّي للميس

***

عاش ما عاش طليقا بالربى
و الربى حسن و لون و عبير

يتغنّى بأناشيد الهوى
ناعما بالعمر و العمر قصير

يرسل الأشعار في الأيك كما
أرسل الشعر حبيب و جرير

فغدا اليوم أسيرا بعدما
كان حرا بين روض و غدير

إرحموه و اعطفوا ما شئتم
فأحقّ الناس بالعطف الأسير

هو يبكي و أنا أبكي أسى
و كلانا ذو شجون و شعور

من لباب البرّ قد أطعمته
و لقد أرشفته الماء النمير

و كسوت القفص الرحب الذرى
بالقباطيّ الموشّى و الحرير

غير أنّ الطير فاضت روحه
بين حزن و شهيق و زفير

***

بلبلي مات و لم تنجع به
وصفة الرازي و لا طبّ الرئيس

كفّنوه بأزاهير الرّبى
و اغسلوه بالمدام الخندريس

و اصرفوا عني لميسا ما الذي
ابقت الأحزان مني للميس

***

أيّها الصيّاد لا تنصب له
شركا و اسمح بتقطيع الشرك

أيّها الصيّاد ما أعجزه
أيّها الصيّاد بل ما أقدرك

دعه حرا و استمع تغريده
هلّة الصبح و قل : ما أشعرك

دعه حرا فلقد صوّره
خالق الكون الذي قد صوّرك

جارك الأدنى دعاه ظما
و هجير فتفيّا شجرك

أنت سكران و لم تشرب طلا
إنّما البغي الذي أسكرك

تعس الصيّاد من ذي قسوة
جرّب الدنيا طويلا و عرك

مذ رأى البلبل في غفلته
صوّب السهم إليه و برك

فارتمى الطير صريعا و هوى
تاركا أفراخه فيما ترك

***

بلبلي مات و لم تنجع به
وصفة الرازي و لا طبّ الرئيس

كفّنوه بأزاهير الرّبى
و اغسلوه بالمدام الخندريس

و اصرفوا عنّي لميسا ما الذي
ابقت الأحزان منّي للميس