جلونا الفاتحين - بدوي الجبل

تمنّى الرّكب وجهك و الصباحا
فجنّ اللّيل من فجرين لاحا

وحنّ إلى ظلالك عبد شمس
يريح شجونه ظمأى طلاحا

حمى الله الكواكب من معدّ
وصانك بينها قمرا لياحا

و طمأن للجواري كلّ بحر
و بلّغها السعادة و النجاحا

بطاح القدس دنّسها مغير
فهل صانت كتائبنا البطاحا

و هل جبهت بحدّ السيف دعوى
كعرض القوم فاجرة وقاحا

و لم نغضب لها أيّام كانت
حمى نهبا و شعبا مستباحا

و لا صدّت سرايانا عدوا
و لا هاجت حمّيتنا كفاحا

و لا اهتزّت صوارمنا انتخاء
و لا صهلت صوافننا مراحا

نجابه باليهود دما و نارا
فنغضي لا إباء و لا طماحا

***

جلونا الفاتحين فلا غدوّا
نرى للفاتحين و لا رواحا

إذا انفصفت أسنّتنا وصلنا
بأيدينا الأسنّة الصفاحا

إذا خرس الفصيح فقد لقينا
من النيران ألسنة فصاحا

زماجر دكّت الطّغيان دكّا
و أخرست الزلازل و الرّياحا

و تعرف هذه الحصباء منّا
دما سكبا و هامات وراحا

و أشلاء مبعثرة تمنّت
على البيد الشقائق و الأقاحا

تتيه بها الرّمال و تصطفيها
من الفردوس ريحانا و راحا

يرفّ على خمائل غوطتيها
هوى بطل على الغمرات طاحا

فألمح في السّراب منى شهيد
تخيّل في الوغى الماء القراحا

فلا حرم الشهيد بروض عدن
على بردى غبوقا و اصطباحا

***

حمى دنيا أميّة أريحيّ
متين الأسر قد فرع الرّماحا

أبو حسّان إن طغت الرزايا
تحدّى الدّهر و القدر المتاحا

أشمّ الأنف أبلج سمهريّ
كأنّ على محيّاه صباحا

تمرّس بالخطوب فما شكاها
و لولا كبره لشكا وباحا

تذكّرت الشام أخاك سعدا
و من ذكر الحبيب فلا جناحا

أرقّ النّاس عاطفة و طبعا
و أعنفهم على الطّاغي جماحا

ينافح ، لا تروّعه المنايا
فإن شتم اللئيم فلا نفاحا

إذا بكت الشام أخاك سعدا
فقد بكت المروءة و السّماحا

زحمنا النجم منه على جناح
و فيّأنا مروءته و هوى صراحا

***

جراح في سريرتك اطمأنّت
لقد أكرمت بالصبر الجراحا

كأنّ الهمّ ضيفك فهو يلقى
على القسمات بشرا و ارتياحا

و قبلك ما رأت عيني هموما
مدلّلة و أحزانا ملاحا

و قد ترد الهموم على كريم
فترجع من صباحته صباحا

و يا دنيا أميّة لا تراعي
شبابك يغمر الرحب الفساحا

طلعت على العصور هدى و خيرا
غداة طلعت غزوا و اقتتاحا

و ما نبل الصّلاح على ضعيف
فبعض الذلّ تحسبه صلاحا

و علّمت الحضارة فهي فجر
على الأكوان ينساح انسياحا

و ربّ حضارة طهّرت و طابت
و ربّ حضارة ولدت سفاحا

و علّمت المروءة فهي عطر
من الفردوس يسكرنا نفاحا

و علّمت العروبة فهي عرض
لربك لن يهان و لن يباحا

أساح المجد حسبك لن تكوني
لغير شبابك المأمول ساحا

خذي ما شئت و اقترحي علينا
كرائم هذه الدنيا اقتراحا

***

أبا حسّان رفّ كريم ودّي
على نعماك فخرا و امتداحا

بلائي ما شهدت و ليس منّا
إذ عدّدتها غررا و ضاحا

إذا زحمتني الجلّى بروع
جمعت لها الإباء فلا براحا

و لو زحمت ثبيرا حين شدّت
عليّ لضجّ غاربه و زاحا

و أوجع من مصائبها خليل
أغار على المروءة و استباحا

يكتّم بغضه حقدا و جمرا
و يسمعني حنينا و التياحا

و يزعم كيده سرّا خفيّا
لقد جهر الزّمان به افتضاحا

تنكر و هو لو كشّفت عنه
أسفّ مجانة و هوى مزاحا

و ذلّ فلا نسمّيه عداء
و هان فلا نسمّيه نطاحا

و لو شئنا جزيناه و نرضي
شمائلنا فنوسعه سماحا

***

أتنكرني الشام و في فؤادي
تلقّيت الصوارم و الرماحا

إذا نسيت على الجلّى وفائي
فقد عذروا على الغدر الملاحا

و غنّيت الشام دما و ثأرا
فلا شكوى عرفت و لا نواحا

و أكرم عهدك الميمون شعري
فقلّده جواهري الصحاحا