الرّوح الثائرة - بدوي الجبل

أملّت ضجيج الحياة ففرّت
تريد الحياة بظلّ السكون

تغاف القصور و جنّاتها
و تأوي إلى دوحة الزيزفون

فتشرب ماء الغدير نقيّا
و تسكر من أرج الياسمين

و تسمع لحن الطيور شجيّا
رقيقا على مائسات الغصون

فتذكر عالم قدس نمت
به حرّة بين حور و عين

هيولي تفيض ضياء مبينا
طليقا تراه جميع العيون

و تذكره عالما طاهرا
قضت في رباه ألوف السنين

تحنّ إليه و ماذا يفيد
بعيد الأحبّة طول الحنين

لقد ذكرته فما كفكفت
بيمنى يديها عقود الشؤون

بكت و هي في سجنها حرّة
و لا عجب من بكاء السجين

***

حنوت عليها و قد بكّرت
لتتلو كتاب الحياة القديم

فقلت لها : مزّقيه كتابا
يثير الشجون و يذكي الهموم

فإنّ الشقيّ يزيد شقاء
إذا راح يذكر عهد النّعيم

مقيّدة أنت صاغ القيود
ليمناك كفّ القضاء الأثيم

تريدين منّي نسيم عليلا
و هيهات عزّ علينا النسيم

تريدين منّي نسيم الجنان
نقيّا .. و هذا نسيم الجحيم

فلا تنشقيه ففيه سموم الهجير
و من ذا يطيق السموم

***

عذرتك فرّي من الأرض و ابغي
هناك المقام الرفيع الكريم

بقرب النجوم فإنّ الحياة
معطّرة الدنّ بين النجوم

و لا ترحمي الجسم فهو تراب
يعود لمعدنه بعد حين

***

غدا هو بين الربى زهرة
كستها الطبيعة لون الشروق

يقبّلها الصبح في ثغرها
و يلثم في شفتيها العقيق

و تسري الصّبا من بعيد إليها
و قد هوّن الحبّ حزن الطريق

إلى أن تمرّ عليها فتاة
فتنزعها نزع برّ رفيق

و تنزلها منزلا هانئا
على النّور لا يشتكى فيه ضيق

فحينا تقبّل نهدا و حينا
تقبّل خدّا يلون الشقيق

و تبعثها بعد ذاك رسولا
يؤدّي رسالة صبّ مشوق

فنعم الرسالة بين العشيقة
ذات الدلال و بيت العشيق

فيا روح من بين تلك النجوم
أطلي عليها و لا تنكريني

***

أطلّي عليها و قد أشرقت
على صدر خود عروس و ساما

أطلّي عليها و قد ألقيت
بقايا شذا ثمّ عادت رغاما

أطلّي عليها رفيقا قديما
و قولي سلاما تردّ السلاما

ألا و اذكري عهدنا و اذكري
زمانك في الأرض عاما فعاما

أأنكرت شكلا جديدا لجسم
غدا لك قيل الفناء مقاما

و أنكرت ألوانها جمّة
و عطرا نديّا كعطر لخزامى

فلا تعجبي إنّ هذا الذبول
بأوراقها كان فيّ سقاما

و ذا الاحمرار دموعي
و هذا الشذا كان فيّ غراما

و أفناني الدهر إلا شقاء
تأبى عليه و إلاّ هياما

تلاشيت في هذه الكائنات
و لم يتلاش إليك حنيني