آلام... - بدوي الجبل

ألفت حرّك لا شكوى و لا سهد
يا جمرة في حنايا الصدر تتّقد

مرّي على كبدي حمراء دامية
يبقى الحنين إذا تسلم الكبد

و ما أضيق بهمّ حين يطرقني
لقد تقاسم حبّي البؤس و الرّغد

إنّي أدلّل آلامي و أمسحها
مسح الشفيق و أجلوها و أنتقد

حتّى تطلّ على الدنيا بزينتها
حسناء تبدو عليها نعمة ودد

بعض الخطوب ظلام لا صباح له
و بعضها الفجر فيه النّور و الرشد

تفجّر الخير منه روضة أنفا
تدعو إلى ظلّها وانين قد جهدوا

إذا هم جرعوا من مائها جرعا
توثّبت عزمات فيهم جدد

و مدلجين أضاء الحزن ليلهم
حتّى إذا انطفأت أحزانهم قعدوا

حادوا عن المحنة الكبرى و لو صحبوا
نيرانها الحمر ما ضلّوا و لا انفردوا

فيم التنكّر للآلام قاسية
إذا تباعد في ميدانها الأمد

ألطالعون على الدنيا بنصرهم
لولا الفواجع هل شدّوا و هل نهدوا

إذا ونوا راح يذكي من عزائمهم
حقد هو العدّة الشهباء و العدد

سقاهم خمرة الآلام فاضطرموا
يستلهمون من الآلام و احتشدوا

أمّا الشعوب و قد ضجّت عواصفها
فصلحب النّصر فيها الثاكل الحرد

لقد تلاقى على الغايات من ظفروا
بالملك في زحمة الدنيا و من حقدوا

إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم
لغو من الناس لا ذموّا و لا حمدوا

إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا
حزن المحبّين في البلوى و لا وجدوا

الظامئون و ظنّوا أنّهم ثملوا
و الغائبون و ظنّوا أنّهم شهدوا

***

لا يبعد الله أحبابا فجعت بهم
و ما علالة قلبي بعدما بعدوا

الناشئون علة نعماء مترفة
تقيّلوا الرمل في الصحراء و اتّسدوا

تلك الجسوم التي حزّ الحرير بها
حريرها في العراء الموحش الزرد

صادين للموت إيمانا و موجدة
فكلّما لاح منه منهل وردوا

على الصحاصح هامات معطّرة
و في الرّمال بنان أفردت و يد

في كلّ منزلة قبر تلمّ به
هوج الرّياح و ينأى الأهل و الولد

مشتّتين فمن أجسادهم مزق
على الأديم و من مرّانهم قصد

مصارع بعطور الحقّ زاكية
كأنّما سكبوا فيها اعتقدوا

حنا السراب عليها و هي ظاكئة
حرّى الجوانح لا غمر و لا ثمد

بموحش من رمال البيد منبسط
يضلّ في شاظئيه الصّبر و الجلد

مسحت دمعي من ذكراهم بيد
و أمسكت كبدي ألاّ تذوب يد

***

يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة
للشاربين و هذا الشاعر الغرد

إنّ الندامى على عهد الحبيب بهم
لا جانبوا النّشوة الكبرى و لا زهدوا

لا أوحش الله قلبي من مواجعه
و لا تحوّل عن نعمائها الحسد

و لا شفى الله جرحا في سريرته
نديان ينطف منه الخمر و الشهد

فجّرت قلبي رثاء ما وفين به
حقّ الزعيم قواف كالضحى شرد

الناقلات إلى الأجيال ما ظلموا
من الأباة و ما راعوا و ما اضطهدوا

صلى الاله على قبر يطوف به
كبيت مكة من حجّوا و من قصدوا

أغفى أبو طارق بعد السّهاد به
و خلّف الهمّ و البلوى لمن سهدوا

ضاو من السقم ضجّت في شمائله
عواصف الحقّ و الأمواج و الزبد

إذا أثير نضا عنه مواجعه
كما تفلّت من أشراكه الأسد

يروع في مقلتيه بارق عجب
و عالم عبقريّ السحر منفرد

يغالب البشر أسقاما نزلن به
يأبى له الكبر أن يأسى لها أحد

داء ملح و نفس لا تذلّ له
حرب تكافأ فيها البأس و العدد

تلك البشاشة أبلى الدّاء نضرتها
فراح يلمح في نعمائها الكمد

كالغيم يحجب حسن الشمس طالعة
و ما تحوّل عنها الحسن و الرأد

نعمت منك بساعات معطّرة
كأنّها الحلم دان و هو مبتعد

و صحبة كقديم الرّاح لو جليت
لليائسين حميّا كأسها سعدوا

***

يا خدنة من قراع الدهر دامية
ألا يهدهد من آلامك الأبد

خيل الزعيم تنزّى في شكائمها
ما فاتها قنص في الحيّ أو طرد

عرينة الحقّ في الشهباء منجبة
يروع أنّى التفتّ الظفر و اللّبد

إذا الزعيم تولّى عن شبولتها
حمى الشبولة إخوان له نجد ...

أمّا الشباب فما خانوا رسالته
عند الكفاح و لا حادوا و لا جحدوا

إذا دجت ظلمات اليأس حالكة
شقّ الدجى كوكب من ذكره يقد

حول الزعامة فتيان غطارفة
لا ينقض الدّهر ما شدّوا و ما عقدوا

الساخرون من الأقزام يضحكهم
أن راح يلبس جلد الضيغم النقد

المؤمنون إذا ما بايعوا صدقوا
و الصابرون فإن جدّ الوغى صمدوا

***

سقتهم كفّ إبراهيم صافية
من خمرة الحقّ تروي كلّ من يرد

ففي الدّماء سعير من سلافتها
عجلان يهدأ أحيانا و يتّئد

بين الجوانح إلاّ أنّه أنف
و في الشمائل إلاّ أنّه صيد

أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها
حمراء تلتهم الجلّى و تزدرد

إذا ونت و هتفنا باسمه جمحت
تعيد سيرتها الأولى و تطّرد

فذكره الأمل الهادي إذا انتبهوا
و طيفه الحلم الهاني إذا رقدوا

زعامة الحقّ لا شوهاء يرفعها
على الرّمال الهوى و الزور و الفند

***

مالي أرى الفرس الشقراء عارية
على المرابط لا تطغى فتنجرد

آب المغيرون جنّت خيلهم مرحا
و آن أن يستريح الفارس النجد