أبشّرُكم أنَّ موتي قريب - تمام التلاوي

قريبٌ..
أُبشِّركم أنَّ موتي قريبٌ
أبشِّركم أنَّ أمّي ستبكي
وأنَّ أبي سيصافحُكمْ عند باب العَزاءِ
ويدعو لأبنائِكم بالسّلامةْ..
أنا صاعدٌ
حاملاً ما استطعتُ من الأغنياتِ التي لم أقُلْها،
ومن خجلٍ كان يحرسُني من
جنونِ اعترافي بحبّي لكمْ.
صاعدٌ
نادماً ما استطعتُ على مدُنٍ لم تُقبِّل خطايَ شوارعَها
وعلى فتَياتٍ حلُمتُ بهنَّ ولم
أرتجفْ بين أذرُعِهنَّ الرهيفةِ
مثل نِصالِ القرنفلِ.
عمَّا حياةٍ
سأطوي سنيني قميصاً قميصاً وأجمعُها في الحقيبةْ،
سينبشُها عند بابِ السماءِ ملاكانِ
فيما ملاكٌ ذكيٌّ
سيُخرِجُ من تحت صدري كتابَ الخطايا..
سأنكرُ أنّيَ قد هِمتُ في كلِّ وادٍ
وأنّيَ لم أكترثْ للوصايا,
وأحلفُ أنَّ نحولي صيامٌ
وأنّي لكثرةِ ما قد سجدتُ امَّحَتْ رُكبَتايا.
وسوف يصدِّقُني الأنبياءُ
وسوف يكذِّبُني المُتنبّي
ويشهدُ أنّي على الأرضِ شاركتُهُ
خمرَهُ
حبرَهُ
والصّبايا..
قريبٌ.. قريبٌ
وأحسَبُني صرتُ حقّاً هنالكَ،
أوصيكمُ الآنَ أنْ تنثروا الشوكَ - لا الوردَ –
فوقي، وأن تضحكوا شامِتينَ بأرملتي وهي تركضُ
حافيةً خلفَ نعشي..
لِتَدعوا عليَّ بطولِ العذابِ وبئسَ المآبِ،
وإنْ شاعرٌ قام يرثي غيابي ارجموهُ
وحيث لقيتُمْ شياطينَ ذُرّيتي فاقتلوهمْ.
أنا قمرُ الشرِّ
إن لمحَتْنِيَ يوماً عروسٌ
فلا تقْبَلوها لأبنائِكمْ
ولا لِبَناتِكمُ رجُلاً كانَ منْ أصدقائي.
وحيث وجدتُمْ كتابي احرِقوهُ
ومن كان يحفظُ فاصلةً من نشيدي اطردوهُ.
أنا الماجنُ القلبِ
لم أُبقِ صاحبةً ليَ بِكراً ولا امرأةً لم أخُنْها
ولم أَلقَ في الدربِ من زهرةٍ لم أدُسْها
جميعُ الحرائقِ كانت بِعودِ ثقابي
وكلُّ قتيلٍ على الأرضِ كان بسيفي
ابتُليتُ بكلِّ المَعاصي
فلم أستَتِرْ
وابتكرتُ مع الشعراءِ الكرومَ
فلم نُبقِ في قدحِ الموبقاتِ ثُمالةْ.
تعلَّم منَّا الرّجالُ خيانةَ زوجاتِهمْ
وأشعارُنا زَيَّنتْ للنّساءِِ خيانةَ أزواجِهنَّ.
إذا ما نطقْنا نطقْنا بكِذْبٍ
وإمَّا صمتْنا فصمتُ التّآمرِ.
في كلِّ بيتٍ زرَعنا الذّنوبَ
وفي كلِّ روحٍ بذَرنا الوساوسَ.
كان النُّوَاسِيُّ أتقى تلامذتي
والحُطَيئةُ ما بيننا كان أنقى لسانا..
فإن زلزَلَ اللهُ بعضَ القُرى,
فلأنّي مَرَرْتُ بها.
وإن أغرقَ البحرُ قوماً لكم,
فلأنَّهُمُ أكرَموني..
أُبشِّرُكم أنَّ موتي قريبٌ
وما لي على الأرضِ بعدي خليفةْ
وما لي وراءَ الجنازةِ من حاشيةْ.
غداً.. سيحدثُكم عن صِبايَ أبي
سيصافحُكم متعباً عند بابِ العزاءِ
ويضحكُ إذ يتذكَّرُ طيشي
ويدمَعُ إذ يتذكَّر عمري
ويدعو لأبنائكمْ بالسّلامة.
موتي قريبٌ..
غداً.. حين تنشفُ عينايَ
لا ترفعوني على أيِّ نعشٍ
ولا تُنزِلوني إلى أيَّ قبرٍ
فقط – حيثُ أغمضُ قلبي– اتركوني،
اتركوني,
فحين تعودونَ
.. لن تجدوني.