فضاءات لمديح أنثاي - سامر رضوان

لي غرفةٌ أنثى
أحبُّ شقوقها،
وعلى غبارِ طلائها علَّقتُ عمري،
وجمعتُ من دُفلى صبايَ قصائدي،
ونثرتها حبقاً لتضحكَ والمطرْ.
في بهوها
كان الصباحُ بجانبي متمدداً
يصغي إلى حلمي بليلٍ فائتٍ
أغرته غرفتيَ الصغيرةُ
بالهبوطِ من الجدارِ إلى القصيدةِ، والحبيبةِ، والقُرى
والعيدِ، والسيَّابِ،
والمعراجِ نحوَ فطورِ أمِّي،
ثرثراتِ الجارةِ الحُبلى ببطنٍ عاشرٍ،
وهديلِ زرعٍ أدمنَ الفلاحَ، …. أصحو
أُخرجُ الليلَ الجليلَ بغسلِ وجهي،
والحريقُ المرُّ في عينيَّ
أقوى من صدى صوتِ الرمادِ
يطقطقُ الرأسَ المعمَّرَ تحتَ نارِ القمحِ
ماذا لو أسمّي غرفتي
غرناطةَ الصحوِ اللذيذِ،
وأستجمُّ ببحرها
زمناً تحدده الخريطة.
مرَّةً:
وأنا أعبِّئُ في قواريرِ التذكُّرِ رفقتي
قررتُ أن أَلِدَ القصيدةَ مارداً
فخرجتُ أبخرةً من المصباحِ،
كان الجسمُ كونيَّاً
يلمُّ الليلُ عورته
ويهديه التحوُّلَ:
شامخاً
متكوراً
أفعى تبدِّلُ سمَّها… ترياقَ نصرٍ
أو ظلامٍ غربلَ الذراتِ فيهِ فأُجِّجتْ
نوراً يسيرُ بلحيةِ الوطنِ
وهناك تحت اللحيةِ الشمطاءِ
سُمِّدتِ الأساطيرُ القديمةُ عسكراً
نسجوا ربيعَ العمرِ أسلحةً
تمنطقتِ الخصورُ بها
وقلْ
ليكونَ قمحُ الأمنِ
مرشوشاً كما الطرقاتِ والزمنِ.
في كلِّ زاويةٍ من الأنثى
رسومُ العيدِ تبكي
تُسقطُ القطراتِ في ثغري
لينتعشَ القطيعُ،
وينتهي من سورةِ التسبيحِ
للعشبِ المقدَّسِ في عظامي
كم شربتُكِ غرفتي
والصيفُ يمطرُ كستناءاتِ العرقْ،
نتبادلُ القبلاتِ،
أحلمُ أنَّ أرضَكِ زوجتي،
وعلى رصيفِ زمانكِ
انتَدَبَ الإلهُ الأنبياءَ،
وصاغهمْ مطراً،
تشقَّقَ قبل أن يصلَ الحصادُ،
وقبلَ أنْ تتسربِ الأخبارُ
حولَ فضائحِ التيِّجانِ،
أجمعُ من مناشيرِ البنفسجِ مبدأً فيها،
وأحفظه كتذكرةِ السفرْ
وصريرُ بابِ الغرفةِ المثلى
خجولٌ في الليالي
حين يخرجُ رفقتي
متلصصينَ على هدوءِ الحيِّ
والقططِ الشريدةِ والخطرْ
وكلابُ عتمِ الليلِ ينهونَ الخطابَ ببصمةٍ
وأنا أسلِّمُ غرفتي
وقتَ الحراسةِ كي أنامْ
يا غرفةً سفحتْ صباها
كيف عادَ الغائبونَ عن الجرائدِ
كيف كنتِ
وكيف صرتِ
وهل وُطِئتِ كما وطئنا
هل تكاثرتِ الطحالبُ في جداركِ
أم بقيتِ كما البتولِ الحلوةِ
احترقتْ شفاهُ العطرِ حولَ النهدِ والردفين
والحبقِِ النميرِ بجسمها؟
أم أنهم قطفوا أجنَّتَكِ البريئةَ
ثم ساقوها لمنفانا
وباعوا جلدَكِ الخزفيَّ للطبالِ
وانهالَ السوادْ
هي كذبةٌ أنَّ الصغارَ تروضوا
وتعلبتْ آراؤهمْ في غرفةِ الإخصاءِ
وانطفأتْ فوانيسُ الخروجِ من المقاهي
طافحينَ بأمنياتْ
هي كذبةٌ تُلِيَتْ
ونحن نخطُّ ظلمتنا
تصاريحَ الخروجِ من القماقمِ للسنا
وهنا تُركنا
ممسكينَ بقيئنا
نعدو وتجري خلفنا قطعُ الظلالِ
تَهرَّأَتْ قسماتُها
وبنى الذبابُ الأزرقُ البركانَ فيها
ثم عدنا للمواقفِ
ننطرُ العرباتِ تأخذنا لمربانا
لغرفتيَ البعيدةِ
للبيادرِ
يشرقُ العمرُ المدمَّى من سنابلها
وأذكر أنني ضيَّعْتُ كرَّاسَ الطفولةِ تحتَ تربتها
وفوقَ سمادها نبتتْ ثمارُ قصائدي
يا غرفتي
هيّا أعدّي ثديَكِ
امتشقي لساني
كي يلاعب حَلْمَةَ الإصغاء للمنفى
وكي أضعَ الوسادةَ في جبيني
ثمَّ أحلمُ…………………..
/ فجأةً
ظهرتْ كوابيسُ العماراتِ الجديدةِ
أين أنتِ؟
وكيف ذبتِ كسكَّرٍ في ثغرِ طفلٍ؟
أنتَ تسقطُ يا معذَّبُ
والمدينةُ تبدأ التشييعَ
والمطرَ الخفيفْ.