الليل في بكين - سليمان العيسى

الليلُ .. أعماق تناديني ، وصمتٌ يحلمُ
وشرفةٌ يلفني فيها سكون ملهم
وخطواتٌ في الطريق حلوةٌ ، تتمتم
صمتٌ ، كأعماق الحضارات ، وشيء مبهم
يذوب سحراً في دمي ، قصيدةً لا تُنتظَم
يا ليل .. اندى لغةٍ أنت هنا ، وارخم
بكين .. كونٌ حالم وشاعرٌ مستسلمُ
...
أحب هذا العَبَق الساري كعطر الأبد
يهمس في سمعي حكايات الهوى في بلدي
الشارعُ الساجي أمامي، والفضاءُ العسجدي
والصمتُ في "بكين" وشوشات لحن غردِ
يذوبُ في رقته امسي ، ويومي ، وغدي
يا وطنَ الصفاءِ ، يا حلم السماوات الندي
أيّ العيون يَرِدُ الشاعرُ والشعر الصدي !
...
بيني وبين الأهل والديار ليلٌ يزخرُ
ونجمةٌ تضيع في الأفق ، وأخرى تزهرُ
وموجة من الحنين في السكون تهدر
ويرتمي حولي جناحٌ وادع معَطّرُ
يضمني ، فالشرفة السمراء لحن مسكر
بكين .. هذا الصمت ، هذا الليل ، هذا القمرُ
أنت التي سكبته دفقةَ وحْيِ تسحَرُ
...
لُمّي جناحيكِ على السرّ الكبير الوادعِ
للفتنة البكر جناحاك ، وللروائع
إني على الشرفة رفّاتُ خيالٍ ضائع
وأنت يا بكين ملءُ القلب ، ملءُ السامع
يا حلوة المساء ، يا ساحرة المطالع
نحن أليفان هنا .. وهذه مراتعي ،
وللنفوس المظلمات كل بعدٍ شاسعِ
...
إنا أليفان ، تلاقينا ، فكان شاعرُ
وعالمٌ حلوُ الرؤى يعب منه الخاطرُ
وأومأ الحبّ ، فذاب ناظرٌ وناظر
وضمنا في نشوةٍ ركبُ الحياة الظافر
بكين .. هل تنسين ؟ إني أبداً لذاكرُ !
الشرفةُ السمراء ، والليل العميق الساحر
غداً ، إذا لجّ بنا البينُ ، وغاب السامر
قولي : هنا طاف الهوى ومرّ يوماً شاعر