أمام خيمة الخليل - سليمان العيسى

الجاهِليةُ في عَبَاءتِهِ، وأَسْرارُ الحَناجِرْ
وجميعُ ما عَزَفُوا، وغَنَّوْا، شاعِراً في إثْرِ شاعرْ
عينانِ يَنْبوعانِ للإبداعْ
عينانِ تَأتلِقانِ.. ألْفُ شُعاعْ
يَلِدُ الجديدَ، ويُمْطِرُ الدُّنيا ربيعاً منْ خَواطِرْ
يا لَلْمنارةِ.. بَكَّرَتْ تُهْدِي إلى البيدِ المنائرْ!
*
في بابِ خَيمتِه القوافي.. كُلُّ شاردةٍ وشاردْ
وَعصَاهُ تَلْقَفُ ما تَشاءُ، تُروِّضُ القِممَ الخوالدْ
لا بُدَّ أنْ تَنصاعَ مَلْحَمةُ العروبةْ
لِلقَيْدِ يُعْطِيها البقاءَ، يَرُدُّها أبداً قَشيبةْ
لا بُدَّ أنْ تَنصاعْ
وتجوزَ ليلَ ضَياعْ
وتُعانِدُ القِمَمُ
ويًصارعُ النَّغَمُ
والمبدِعُ العملاقُ فِكرٌ دافِقُ الوَمَضَاتِ ساهدْ
*
سأَشُدُّ الحانَ العصورِ الغابراتِ عَلى ربابي
سَأَشُدُّها في خَيْمتي السمراءْ
وتَظَلُّ نَهرَ ضِياءْ
أسقي بها الأجيالَ، أخلعُ فوقها بُرْدَ الشبابِ
*
وتحتشِدُ السواقي.. كُلُّ ساجعةٍ وغِرِّيدةْ
وتَسْكُبُ في "العَرُوضِ" غِناءَها فالدَّهرُ أنشودَةْ
ويَمضِي المُبْدعُ العملاقْ
يَراعٌ قادِرٌ خَلاَّقْ
يَلُمُّ شوارِدَ الفُصْحَى..*
ويَطْوِي في عَبَاءتِهِ المَدَى، يَطْوِي بها الآفاقْ
سَلاماً، سيّدَ النَّغَمِ الذي يَنْهَلُّ في عودي!
سلاماً.. عبقريَّ الأمسْ
سلاماً.. يا رفيقَ الشمسْ
سلاماً.. يا أَبا قِيثارتي، يا كَرْمَ عُنقودي!
أنا العربيُّ في البصرةْ..
بلا كوبٍ، ولا خَمرَةْ
أَدُقُّ خِباءَكَ الأسمَرْ
أُريدكَ.. في يَديَّ سُؤالْ
حديثٌ، سَمِّهِ ما شِئْتَ، وَمْضُ خَيالْ
أُريدُكَ.. يا أَبا الألحانِ، يا عَرَّافَها الأكبرْ!
*
وتَحمِلٌني إلى خضراءَ سامقةٍ من القِممِ
ذِراعا سيدِ النَّغَمِ..
ويَحضُنني يتيماً من يَتاماهُ
وألقاهُ..
كما أوْفَى أخو الرمْضاءِ* مكدوداً على الظلِّ
كما انغَرسَتْ بصدرِ الرملِ بعد ضَياعِها في الريحِ
يوماً حبَّةُ الرمْل..
وافتَحُ دفتري.. وتَمزُّقيَ..
سأخُطُّ ما يُمْلي..
وسوفَ أبُثُّه همّي
وهَمَّ الشعْرِ.. لن يحنو على يُتْمي، على ثُكْلي
على صوتي المُمزَّقِ في مقابرِنا سوى أهلي
_____________
*إشارة إلى كتاب "العين" أول معجم في العربية. وضعه الخليل بن أحمد.
* الرمضاء: شدة حرارة الرمل.