ذكرى اللواء - سليمان العيسى

عشرون ، دامية الخطى
مخضوبة بلظى الكفاحِ

مرّت كحالكة السواد
على أكاليل الأضاحي

عشرون ، من عمُر النضا
لِ معَصّباتٌ بالجراحِ

من ساحةٍ عطشى ، ولا
شكوى ، إلى جَمرات ساحِ

عشرون يا بلدي الصغير ،
دَرَجْنَ في هوج الرياح

غنّيت ملْحَمةَ اللهيبِ ،
وأنت تلهمني صدَاحي

عشرون ، اوقظها فأو
قظ قصة الوطن المباحِ

أيّ الجراحِ أَمسّه
لأعودَ محترق الجناح !

...

عشرون ، يا وطني الصغيرِ ،
أحسّها ضَرَبات قلبي

درب العروبة والكفاحِ ،
وزقزقات الفجر دربي

لم أنسَ يا بلدي ، ففيكَ
على الرصاص فتحتُ هدبي

أطفالكَ الثوار هم
شعري كما كانوا ، وحبّي

حملوا العقيدةَ ، والسلا
ح بكفّ دون العشر ، زغْبِ

الهادرون على طريقِ
البعث ، أترابي وصحبي

لو شئت ناديت الصقور -فدمدمَ الإعصارُ قربي

العائدون غداً ، وهبّي
يا رياح البغي ، هبّي !

...

قالوا : غداً ذكرى اللواء ،
ترابكَ العَطِرِ الشهيد

قالوا ، فتمتمتِ الجراح
على فم الطفل الشريدِ

وتزاحمت عشرون عاماً
كي تجلجلَ في نشيدي

ورميت داميةَ الطريق
بنظرة الإلف الودودِ

أهوى الصخور الحاملاتِ
حطامِ أجنحة الفهود

أهوى طريق السائرين ،
وخلفهم مزَق القيودِ

أهواكَ يا بلدي الصغير ،
يضيق كبْركَ بالسجودِ

وتعيش تحت النيرِ ،
صلدَ العودِ ، جبّارَ الصمودِ

...

قالوا : فداً ، وفتحت
أجفاني على مأساةِ جيلِ

ولمحت أتراب الطفولةِ
ينزحونَ مع الأصيل

الصبية المتمردون
على الهوان ، على الدخيل

حملوا قلوبهم الصغيرةَ
في الجبالِ ، وفي السهول

وتمزّقوا ، لم تسمعِ
الصدمات شكوى من كليل

بعيونهم خَلْج الحياة
بمهجةِ الوطنِ القتيلِ

وعلى الشفاه رسالةٌ
تلوي عنادَ المستحيلِ

عربيه الإشراق ، من
شعبي ، من النبع الأصيلِ

...

أأهزّ جرحك يا ترابَ
المهدِ ، يا بلدي السليبَا !

أعرفت شاعركَ الصغير ،
تصوغه أبداً لهيبا !

لولاكَ لم تعرفْ شفاه
الشعر قافيةً خضيبا

لم تحترق منها العيون ،
لتنهل الفجرَ القريبا

فَجَّرْتَ نبعَ الوحدة
الكبرى ، أترمُقُها غريبا ؟

وضّاءَةَ الخُطوات تَزْ
حَم في انطلاقتِها الغيوبا

وتطلّ كالعملاقِ تحـ
شُد حيث أومأت القلوبا

سنعود ، نعقد في مرو
جِك عرسها خمراً وطيبا

...

أأهزّ جرحَكَ ، والعروبة
في دمي جرحٌ يصيح !

أطفالك المتمردون
عقيدةٌ ، ومدىً فسيح

ميداننا هذي الصحارى
والمَعَاقِل ، والسفوح

ميداننا الوطن الكبير ،
معاركٌ حمْرٌ ، وسوح

ميلاد تاريخٍ على
هَدَرات ثورتنا يلوح

غيري المشرّد فوق هذي
الأرضِ أرضي ، والجريح

غيري الذي سيموت ،
حَطّمَ شفرةَ الموت الذبيح

أنا للحياة .. وفاغِرٌ
فمه لجلادي الضريح

لن يَهْزِلَ التاريخ بعد
اليوم ، لن تَدْمَى خطانا

في الشوكِ ، لن نَظْمَا
لترتوي الجريمة من دمانا

لن يطردوا طفلي ، سنَهْرج
فوق قبرهم كلانا

كانت شموسٌ للطغاةِ ،
ولن تَذِرّ على حمانا

حسبي ، وحسبُكَ أننا
في القيدِ مزّقنا صبانا

حسبي ، وحسبُكَ أننا
كنا اليتامى في ثرانا

عدنا ، لتحترقَ العنا
كب والظلام على سنانا

عدنا .. لنشرقَ أمةً
ألقى الخلود لها العنانا

...

أنا ما أزال أردّ عن
عينيّ أغشية الضباب

وأراك يا مهدَ الصبا
ضحكاتِ جنّاتِ رطابِ

رتّلْت أولى الغمغماتِ
على سواقيك العِذابِ

وحملت ثورتكَ المضيئةَ
في ضلوعي كالشهاب

نَذْرٌ لفكرتها دمي
حَطَبٌ لشعلتها شبابي

كَبِرَ البراعم يا ترابَ
المهدِ في حَلَكِ الصعاب

كبِروا ، فثورتهم دَوِيّ
في النجودِ ، وفي الشعابِ

تَطْغَى الرياح ، فتَزْحم
الطاغي ، وتمْعِن في الغلاب

...

إنّا على شفة الوجود
قصيدةٌ نشوى ، وشاعِرْ

ورصاصةٌ تلِد الضياءَ
بأرضنا ، وزئير ثائِرْ

إنا على قمم "العرائس"
ألف فجرٍ في الجزائرْ

وعلى الخليج جباهنا
السمراء تَعْبَق بالبشائرْ

إنا على شَفَتيْ جمال
موكبٌ للخلد هادرْ

خلّى على الدرب العبيدَ ،
وغطّت الأفُقَ الكواسر

وتفِرّ أشباح الطغاةِ ،
لتحتمي خلف المجازِرْ

الثورة الحمراء تختصر
الطريق إلى المقابرْ

...

الصامدون ، وليس أرْوَعَ
من صمودكِ يا بلادي !

الثائرون على الهوان ،
الباسمون على الشدادِ

جبلٌ تعَطّشَ للحياةِ ،
فهزّها بيدِ الجهاد

وتفجّر الينبوع ، فانْتَشَتَ
الحواضر ، والبوادي

في النصر ، في عرس العرو
بةِ ينطوي ليل الحدادِ

بلدي ، ستَعْذب في الضفا
فِ غداً حكاياتُ المَعَادِ

يافا ، لنا في الشط موعدنا ،
ولو جُنّ الأعادي

في العيد ، عيدِ الوحدةِ
الكبرى ، اضمّكِ يا بلادي !

...