على هامش رسالة من بغداد - سليمان العيسى

وختم الصديق الثائر كتابه بهذه الحاشية: "انني أجهل عنوانك..ليت شعري!.. أتصلك هذه الرسالة أم لا"؟

...

بَلى ، هذه قهقهات الرفاق ،
وعطْرُ الزغاريد في مسمعي

بَلَى ، هذهِ خطوات الفهود ،
تجُرُّ الصباحَ إلى المَطْلعِ

بَلَى ، يا رفيق الهوى والسلاح ،
معي ، في دمي أنت تحيا ، معي

أتخشى إذاً أن تضل الطريق ،
أتخشى ، وقلبك في أضلعي !

وهل همست جمرةٌ في نشيدي
لو أني لِبَلواكَ لم أجزعِ

لو أني بنارك لم أحترقْ
لو أني بكأسكَ لم أكرعِ

كتابُكَ يا ثائري في يدي
سطورٌ تُسابقها أدمعي

أضُمّ بها أرج الثائرين
بغُلّة عطشان لم تُنْقَعِ

أقَبّل فيها تُرابَ العراقِ ،
وأحنو على جيده المُتْلَع

وأغرق في موجةٍ من ضياءٍ ،
على الشط ، في سكرةٍ لا تعي

بَلَى ، فهذه قهقهات الرفاقِ ،
وعطر الزغاريد في مسمعي

...

بَلَى ، يا رفيق الهوى والسلاح ،
تهاوت سدود الدجى بيننا

فَشُدّ الجناحَ على لفظةٍ
هناك ، تزقزق وتمرح هنا

سدى حرّموا همسات الشفاه ،
سدى عَقلوا بالدم الالسنا

سدىً ، صبغوا بالنجيع العراق ،
فما شمخ النخل الا لنا

ولا غمغم الشطّ إلا بما
يجلجل في صدرنا من منى

تلين الضفاف لأقدامنا
فهل وجدوا مَسّها ليِّنا ؟

سلوا نسمَات المساءِ الكُسالى
وقد زلزلت في الصباح الدنى

ألم تَنْتَفضْ زعزعاً كاسحاً
ألم تنطلق قدراً مؤمنا ؟

لعينيكِ يا صيحة الخالدين ،
تفجر قبل الشروق السنا

لعينيك يا أمةً باسمها
بها ، لم أزل أتحدّى الفنا

تمطّيْ على عتبات المحيط ،
وَ لُمِّيه في وحدةٍ موطنَا

أخا الفجر ، يسكرنا وهْجُه
ونقرأ فيه كتابَ الغدِ

كتاب العروبةِ للظامئين
خطىً تستريح على مورد

خطى تحمل العبءَ لا تشتكي
وبالدم في دربها تهتدي

عقدنا ببغداد أبصارنا
تباركت بغداد من مَقْعدِ !

هدمت عصوراً على اهلها
وكنت مع النصر في الموعدِ

فيا للطّغاةِ ، وتاريخهم
كأنّ الطواغيتَ لم تولَدِ

ودِدْتُ لو أني حشرت العبيد
بحبلٍ من اللهَبِ الاسودِ

وفتحْت بالنار أجفانهم
بساح الرشيد على مَشْهَدِ

بقايا العروش على أرضنا
بقايا من العار لم تحصد

لنا جولةٌ في الضحى ، لم تنم
أعاصير بغداد ، لم تخْمَدِ

لنا جولةٌ يا قلاع العبيد ،
فهزي الخيانة واستنجدي !