أبيات شعري - سليمان العيسى

أريدها هفّافةً كالصَبا
ناعمةً مثل رفيف الأقاحْ

يلهو بها غيلان* أنشودةً
بين صغار الحي عند الصباحْ

يفك باللثغة أسرارها
وتلتقي فيها رؤانا السِمَاح

ساذجةٌ مثل ابتساماته
وادعةً كالفرخ لمّ الجناحْ

أريدها .. لو لم يضِجّ الأسى
حولي ، وتستصرخ لهاتي الجراح

...

أريدها أغنيةً للهوى
تضمها في الصدر عذراءُ

تطوف بالكأس رقيق الخطى ..
وينتشي فيها الأحبّاءُ

في كل لفظٍ وردةٌ حلوةٌ
حياتها عطْرٌ وأفياءُ

يرتاح في واحتها متْعَبٌ
فالظلّ بعد الجهد والماءُ

أريدها .. لو لم تهُزّ الدجى
حولي استغاثاتٌ وأصداءُ

...

أريد أبياتي مروجاً على
دربكَ أحلى من بساط الربيعْ

تفرش روضاً أخضراً أينما
سارت ـ فثوبُ الأرض بيتٌ بديعْ

لكنني لم أخْطُ إلا على
حرائقٍ في وطني أو صقيعْ

لم يتركوا قطرةَ ماءٍ ، بلى
ضجّت طريقي فسقوها النجيع

لا كان لي قلبي إذا لم تعشْ
في خفقةٍ منه قلوبُ الجميعْ

...

أللفظةُ الحلوةُ يلهو بها
مستغرقٌ في حلمٍ دافئِ

لم يستطعها زورقٌ مُجهَدٌ
يصارعُ الموت إلى الشاطئِ

لم أستطعها .. بيننا أمةٌ
تضجّ بالمأساة يا قارئي !

أبياتُ شعري صَرخاتٌ على
شفاهِ هذا الموكب الظامئِ

لا فَرْقَ .. والموكب في زحفه
لا فرق .. بين المَيْتِ والهادِئ

...

أللفظةُ اللمساءُ مثل الدّمَى
تصُبّ في الآذان شكوى الترف

أمقتها .. أمقُتُ تزييفَها
أصالة الحب ، وعطر الشرفْ

أمقتُها .. تحمل لي قصةً
عن سُهْدِ جفنٍ بالأسى ما انطرفْ

لي هَدَف من كل حرفٍ ، بلى
وأضلعي المحترقات الهدَفْ

الشعر في معركتي قطرةٌ
تبلّ في الساحة جرحاً رعف

...

الشعر .. لا ، لم يكُ أغرودةً
يوماً ، ولا قيثارةً تحلمُ

هو الحياةُ انطلقتْ نغمةً
تبني كما تختار أو تهدمُ

الشعر أن أخلقَ في ثورتي
من كل قاعٍ ذروةً تلهِمُ

أن أبنيَ الكونَ كما أشتهي
غدي الجميلُ المشرق الأكرمُ

الشعرُ بعض الله .. في وهجهِ
يُضاء هذا العالم المُظلِمُ

دعني لأبياتي التي حطّمت
جناحها وهي ترودُ القِممْ

لن أبلغَ الذروة ، حسبي إذا
رنوتُ إني بالأعالي حُلُمْ

حسبي شعوري إنني نبضةٌ
يُحسُّها الماضون في المزدحَمْ

يا رائدي الذروة .. إني لكم
يا زارعي البِشْرِ بقلب الألم

أحبكم .. يا من تمزّقْتَمُ
لكي تضيئوا كوّة في العدمْ

_____________

* غيلان: طفل الشاعر