مخصصات النسر الميت - سنية صالح

.. وحين يُزَجُّون في الأقبية
تظلم أرواحهم
فتنتشر عصور صفراء؛
دمها الحائل يشبه دم الحشرات،
والثورة في الخارج تَثِبُ
وتَثِبُ،
تحاول أن تسترد كائناتها
.. بينما يبحث أصحاب البِزّاتِ الرسمية
عن امرأة
كي ينالوها خفيةً في مستودعاتهم
أو يدفنوها في قبورهم
لتدفئهم في ليالي الموت الباردة.
***
لولا تلك الكتلة المُتَرهّلة من السنين،
الرابضة على كتفيه،
الكتلة التي تُعيقُهُ عن اللحاق بأحلامه البعيدة
والمتوهّجة،
ثم لك الجُثَث
التي تغفو وتستيقظ
فوق خرائط الوطن،
تُحيلُ العمر إلى سنين قائظة
وكاوية
كالجمر؛
لصار الهدير
والصحراء تسعى وراءه بنابين من السم
أنقذوه فتولد الثورة.
***
.. إرتفعت العاصفة الرصينة
بما فيها من طغاة وأقبية وجلادين،
وطارت
يحملها جَناحاها العظيمان
ويتدلّى بردى من منقارها الصلب.
لقد جاء فصل التقلبات،
فصل الأزهار المتوحشة،
وأطلق الطاغية كلاب جوعه وغضبه،
أطلق حبل أحشائه في جوف الأرض
فصارت سراديبَ لا حَصرَ لها.
هيّا... اسكنوها أيها الثوار،
أيها المشرّدون،
لقد ترهلت الثورة،
وتَراكَمَ عليها شحم القصور،
وجرى في عروقها دمُ الطغاة.
وعندما تدفقت نقود الزمن
قذفوها جزافاً.
فاغتاظت النسور.
النسر القابع بلا حراك
على صغار النقود،
ينتظر الفرصة
كي يَفِرَّ إلى الأبد،
ويترك الثورة للنسر الفِضّيّ،
الثورة التي يجرجرها الطغاة
على الأرض،
يرصدون مخصّصاتِها للتجارات العليا
والتزييف،
والتقسيم الخاطئ
والمِنَحِ البلهاء....
.... خذ نقودك
واعبُر أيها الزمن.
ها هي امرأة الطاغية
تنحني
تحت عصا القلق والتوجُّس
لتسمع موسيقى الثّوار
من شقوق المخابئ والسجون
فتُذعر..
تسرع
وتشرب الزمن،
نبيذها الوحيد.
التاريخ ذاته مُلَوّث بدم الزهرة والسحابة،
بدم نَيسان المختبئ في أعمارنا.
لم يبق أمامه إلا الجسور المتداعية
والأنهار المتوحشة.
وعندما أبحرت الطفلة الشقراء،
ذات العينين الزرقاوين،
مع كلابها القطنية،
لتبحث عن قمر الثورة،
عن أعلامها الحقيقية
أسرتها مقدونية
الشهيرة برجالها الأشِدّاء،
بولائمها الحربية.