عندما كنتُ كبيرا - شادي حلاق

سارَ بينَ السمعِ حيناً و البصرْ
لامسَ النورَ بلطفٍ فانكسرْ
بعدَ أنْ أطفأتُ نفسي صرتُ ثلجاً
عندما لامسَ أنفاسي استعرْ
يا رغيف الخبز مازلتَ صغيراً
كيف كيف الآن حاصرتَ البشرْ ؟!
*
عندما قُدِّسَ عطرُ الخبزِ
أهملنا الدماءْ
فَتَرى أنَّهُ صارَ اليومَ في كلِّ رغيفٍ
دَمُ أو روحُ شهيدْ
عندما قدْ قطَّعتْ كفّي رغيفَ الخبزِ
ثارتْ فيهِ أصواتُ البكاءْ
و تأملتُ بنورِ العينِ كفّي
فوجدتُ القلبَ فيهِ . . و الوريدْ !
*
نَخلعُ الأقدامَ ، و الدنيا سفرْ
يهلكُ الجسمُ ، ولا يبقى أثرْ
بينَ نفسي و مرايايَ زمانٌ
قَتَلَ الأشواقَ ، و الدربَ قَبَرْ
و أتيتُ ـ اليومَ ـ مرآتي أراني
فأتى جسمي ، و روحي ما حَضرْ
*
جسدي الأولُ والحُرُّ يغيبْ
غابَ عنهُ النيلُ ،
و الضادُ تخلّى عن لساني
و فلسطينُ منَ الكفّينِ سالتْ
فسرابُ الجسمِ في ظلّي وحيدْ
كنَّستْ نفسي . . يدايْ
و أنا لملمتُ بعضي
و مشيتُ الخطوةَ الأولى ببطءٍ
فتساقطتُ ـ هنا ـ
خلفَ خُطايْ
و مشى ظلّي وحيداً
باحثاً في الدربِ عن جسمٍ جديدْ :
سالَ من بينِ مساماتِ الجهاتِ
فارتمى فوقَ متاهاتِ الوجودْ
و أنا ما بينَ مرآتي و نفسي
صرتُ أمشي
سرتُ في صمتِ الفراغِ ..
باحثاً عنْ ثغرِ نارٍ خمِّرَ البركانُ فيهِ
و انفجاراتُ الشعورْ
و أنا قدْ جئتُ منْ تربةِ أجداديْ
و منْ ماءِ الطفولةْ
تائهاً في الركضِ
معجوناً بوحلِ البحثِ عنْ خيطِ البطولةْ ـ
كتبوها .. رسموها
علقوها خلفَ أبوابِ النساءْ
ثمَّ قالوا :
أظهروا ـ هَيّا ـ الرّجولة ْ .
جئتُ منْ صمتٍ طويلٍ
منْ خلايا الوقتِ منْ صمتِ السكونِ
منْ مسارِ الروح حولَ القلبِ ,
منْ صَبرِ الصَّبُورْ
و اتخذتُ القبرَ بيتاً
و جعلتُ الوقتَ نعشي
و حملتُ الأرضَ إنساناً على جفني و رمشي
و بكفَّيَّ العصورْ
و تكوَّرتُ .. و سرتُ
و بديلَ الأرضِ أصبحتُ أدورْ
هاجرتْ منِّي صفاتي عندما جاعتْ .. و غابتْ
و حواسي عَسْعَسَتْ حتى تلاشتْ
بينَ أوهامِ الأثيرْ
*
رُبَّ جوعانٍ , على الله ، عَثرْ
فأتاهُ الكفرُ خُبزاً فكفرْ
علَّمتني هذهِ الدنيا دروساً
عندما قدْ كنتُ في سنِّ الكِبرْ
فأرى ما خلفَ جدرانِ الجهاتِ
و امتلكتُ الآنَ أحكامَ النظَرْ
أيها الإنسانُ لا تبقَ عجولاً
وانظرِ الرسماتِ منْ خلْفِ الصُّوَرْ
إن أتاكَ الصوتُ كالرعدِ تريَّثْ
ليسَ ليثاً كلُّ منْ فيكَ زَأرْ
وإذا شاهدت ثغرا صامتا لا
تعجلِ الحكم فتدعوه افتقرْ
إنَّ في الصمت براكينَ كلامٍ
تختفي فيها ملايين الفِكَرْ
*
ظلَّ ظلي في طريقِ الوعدِ يمشي
و ارتدى جسمَ المقاتلْ
فانحنى الدربُ لهُ خوفاً و رُعباْ
و الّذي كانَ أمامَ الظّلِ رأساً
صارَ كعباْ
كانَ ظلّي قبلَ أنْ سافرَ منْ جسمي سكوناً
فجأةً كالريحِ هبَّاْ
إنَ منْ يسعَ إلى الحقّ انتصرْ
نالَ آمالا و وَعداً مَنْ صبرْ
قدْ تعلمتُ بأنَّ الـ كانَ غيماً
سوفَ يغدو الآنَ لا بدَّ مطرْ
و إذا لم أجد النورَ بأرضي
أغزُلُ الأنوارَ منْ ضوء ِالقمرْ
و إذا كانتْ دروبي حُفَراً
فالغايةُ الكبرى تكونُ .. في الحُفَرْ
هذهِ الدنيا اتزانٌ ـ كلَّما تعلو
جبالٌ ، دربُها منها انحَدَرْ
لمْ يزلْ ظلّي يقاتلْ
و أنا ما زلتُ أمشي
باحثاً عنّي وما زلتُ أناضلْ
و نظرتُ الآنَ في المرآةِ حزناً
إنما قدْ غابَ نصفي
وفتحتُ اليومَ كفّي
فإذا القدسُ تفاصيلُ العظامِ
و الفلسطينيُّ جِلدَ الكفِّ ما زالَ
و جولانُ الأناملْ
و رأيتُ الظلَّ فيهم و رآني
و إليه قدْ دعاني
فارتديتُ الظلَّ ظلّي و ارتداني
و وجدتُ الآنَ كُلّي
علَّمتني هذهِ الدنيا الكثيرا
عندما كنتُ كبيرا
فاكتملتُ اليومَ ... أصبحتُ صغيرا
و اعتراني
لستُ أدري ما اعتراني
إنما ألبسني ثوبَ الحياةْ ـ
لولبياًّ طارَ منْ عينيَّ مَرْ
زرعَ الروحَ ، وفي جسمي استقرْ
قبلهُ كنتُ أسيراً بيَن نفسي
و زماني ، فجأةً أصبحتُ حُرْ
قالَ زدْ علمكَ علماً ، فوقَ عِلْمِ
الناسِ .. علمُ اللهِ هذا المنتَصِرْ
اقشعرَّ الآنَ جسمي و وريدي
و كستْ عظميَ موسيقى حجرْ
عندها قلتُ لهُ ، و الصوتُ يدوي ، :
منْ تكونُ ..؟!
قالَ: إنّي ؛ و انفجرْ .