البرد يحقن قامتي - عامر الدبك

هو البرد
ينهر أجراس روحي
يمد أصابعه
في ملوحة جرحي
يدق جليد
مساميره في دمي
ويصلب
أهزوجة الدفء
ثم ينامْ
هو البرد
من رمله ناهضا
في الظلامْ
يخبئ في راحتيه رياحي
ويطفئ ناري
يعتق موتي على ضفتيه
يفتت صحو الأغاني
يراوح في همهمات الكلامْ
***
أخاف
إذا صلب الشوق عمري
على صخره
وأيقظني
قرب سور الحصارْ
وأنشب فيَّ الكوابيس
أن يُغرق الليلُ في العتم
سرّي
ويغتال مهر العذوبة
يرفع راياته
فوق قبري
***
تعمدني في الغبار
الهراوات
حتى أراني
دما من غبارْ
أخاف إذا علّق البرد وجهي
وصوَّبني باتجاه التلاشي
وأسرج لي مهرة للهزيمة
أن يستوي الوقت بالانهيارْ
***
هو البرد
لوثني بالحنين المفاجئ
طهرني بالجنون
تسمرت قرب الحكايا
وأيقظ في رئتي الهواءْ
تداعى عليّ جدار الشتاءْ
أرحت المدينة منيّ
وأغلقت ذاكرتي كالمساءْ
تنبهت أني أسير
على غبش الفجر وحدي
وبين البلاد البعيدة عني
وبين البلاد التي في توابيت ظني
تلمست لحدي
***
هو البرد
يقتلع النهر من ضفتيه
يفك من البحر أعماقه
المستريحة
يخلع أحلامه من يديهْ
ويفرغ أسراره واحدا .. واحدا
ثم يهوي عليهْ
***
أمر
ووجهي مثل مرايا مصدعة
في يديّ
يبددني البرد
يحقن قامة روحي
ويصلبني في الجليد
يزمهر ذاكرتي
بالشظايا
ويقلقني حين أغفو
صداهْ
فأنهض مثل الذي تاه عنه
هواهْ
أبدد ظلي وأغفو قليلا
وأقرأ :
تهزمني اللغة
الكلمات ..الفضاءات
أقرأ قتلي
هو البرد
والروم تهزمني مرتين
فأعوي كذئب انكساري
وتهزمني الروم
في مشرق الأرض
ردحا طويلا
وفي غربها
ما تزال الهزائم تعصر نحري
فأبحث عن صرختي في القوافلْ
أنا .. من أنا ؟!
تهر البلاد على موطئ الظل
( ختيارة )
ضيعتها المسافات
والبرد
والأخوة العائمون
أنا .. من أنا ؟!
لا أجيد الكلام
ولا أستسيغ المطرْ
أنا مزقتني الوعود
وخيل الهزيمة
تعبر فوقي
أهيل الهزائم فوق دروبي
وأقرع ناقوس موتي
استجرت من البرد
بالبردْ
من المد
بالبحر ْ
من الريح بالوابلات
أنا .. من أنا ؟!
خيبتني الكؤوس
بخمر المساءْ
أنا من أنا
خيبتني البلاد
الكلام ..النساء ..الهواء ْ
أنا من أنا ؟!
خيبتني الفتوحات
حين استحم الأمير بماء الحياة
أنا .. من أنا ؟!
عاشق خائب
من لهاث ومن نفَسٍ غار فيه البكاء
على درج قائم في الفراغ
لأحصي بقايا الغبار
التي علقت في سمائي
هو البرد يأخذني من دمائي
يوزع دفئي
ويزرع صحراءه في دمي
فمدي إليّ أصابع
من مهرجان الحنين
ومن نخلة في العراق
ومن أرزة في الجنوب
هو البرد يأخذني من يدي ّ
يجمد في مقلتي البكاءْ
يجمد فيّ النحيب
ويخلعني من دفاتر شعري
فيخذلني الليل
والشعر والسر
والوقت والنهر
والبحر والطير
تخذلني المعجزات
هو البرد يجمع في راحتيه خطاي
وينشر أنواءه في الدروب
يسربل بالزمهرير الدماءْ
هو البرد
يجمع أسماءنا غيلة
ثم ينهار في ردهات السؤالْ
يراقبنا من بعيد
ويستل أزمنة لا مواقيت فيها
نراه يخاتلنا كالسراب
فنعرف أنا
نعانق خيباتنا في الدماءْ
تنزل أسماؤنا آية في الرمال
نرد إلى الصمت أشياءه
ثم نمتد نرتد
نشعل أوراقنا في زوايا المحال .