البحر مرة أخرى - عامر الدبك

فاجأها البحر
تمتطي موجة صغيرة
فراودها عن نفسها
حاول أن يشدها إليه
فالتجأت
إلى أقرب قارب
وهربت من أصابعه
القاسية
قال لها بصوته الأجش
وهو يلطم على صخوره :
ـ عندي محارات
تليق بصدرك
وقصائد
من مرجان أحمر
وقلائد من فيروز
سأمنحك كل أعشابي
سأكشف لك
عن كل أسراري
سأغلق من أجل عينيك
كل أبواب المساء
سأغسل الليل من عتمته
وأسوقه إليك
مكبلا بالنجوم
ما الذي يخيفك مني
خذي كل مياهي
واركبي
أية موجة تحلو لك
سأطرد كل النجوم من فضائي
وسأبعد الأسماك من أعماقي
ولن أترك شيئا يزعجك
وسوف أكون
رهن إشارتك
وطوع أمرك
لا تحسبي أنني بحر لا قلب له
ادخلي إلى أعماقي
كي تري كم أنا طفل ومسكين
وكم أنا حزين
قالت له :
حزينة أنا عليك
أيها البحر الحزين
وحزينة أنا من أجلك
ثم لوحت له
ومضت باتجاه الغروب
فمزق أمواجه العالية
وراح يلطم على صخوره
لأنها لم تلتفت إليه
تصاعدت آهاته
غيما كثيفا
فبكى
نادى عليها
أنا البحر قاهر الصخر
والسفن الكبيرة
أنا البحر
الغامض
المخيف
الواسع
المتجبر
ستضحك الأسماك مني
ولن يهابني كائن بعدك
كشفتُ أسراري جميعا لأجلك
وها أنت لا تلتفتين إلي
بكيتُ أمام الجميع لأجلك
وها أنت
تمضين نحو الغروب
دون أي اكتراث بدموعي
فقدت هيبتي
ولم ترحمي ذلي
وخضوعي
فقدت كل شيء
ولم أستطع الوصول إليك
ارجعي
أيتها المرأة التي طعنتني
بفتنتها ...وعذوبتها
فذاب الملح من مفاصلي
ولم أعد اقو
على حمل سفينة صغيرة
ستنزلق الرمال
إلى أعماقي
لتمتصني
حتى ألفظ آخر موجة
وأموت