فصول وأصداء من السيرة - عامر الدبك

1
أنا للريح ما سلّمت أوراقي
ولا في الروح
قد أطفأت أشواقي
أنا وحدي
أرى في الحب
ترياقي
صدى 1
وللريح أسرارها
في نزيف الجهات
دعته لأحزانها الأغنيات
تجاوز
ما أيقظته المسافات في رمله
فاستجابت
لرحلته الكلمات
2
أنا والطين
كنا رحلة أولى
إذا ما ضل
عنه كنت مسؤولا
وحين أضل
يمسي الطين
مجهولا
صدى 2
تعريه أسراره
تكشف النهر في طينه
كي يعري
هواه
يعانق وجد البداية
منذ اصطفى وعد أحلامه
واصطفاه
3
حملت طفولتي سرا
لأخفيها
عن الأيام
كي أحمي روابيها
أنا ما خنت
يوما رحلتي فيها
صدى 3
مضى يحتمي بالطفولة
حين تجلى له سرها
في المرايا
فعض على حلمه
واستعان
على رحلة العمر
بالسحر
حين اصطفته الحكايا
4
أنا طفل
وإن طالت سنين العمرِ ِ
كالأطفال
اكشف موطن السرِ ِ
أضم الشمس
والأقمار
في صدري
صدى 4
رأى الطفلَ ينهض
من زحمة الوقت
وجها حزينا
فأيقظ فيه المواويل
قال خذ الصمت
فك المجاهيل
رد إلى الأغنيات الحنينا
5
أفتش في دروبي
عن حكاياتي
وفي الجدران
عن أحلام
مرآتي
وأعرف
أن كل الكون
في ذاتي
صدى 5
رأى السر حبلا
من الغيب في الروح
نورا تدلى
فحل به ثم
يمم شطر الرؤى
في مداه وصلى
6
يعلمني أبي
أسرار مهنته
ويكشف لي بما عانى
برحلته
وأمضي حين يسترخي
بغفلته
صدى 6
من الماء خذ حكمة الماء
ياابني
ورُدَّ طواويس نفسك
واستفتِ
في رحلة الحرف
وجه الصباح
ولا تنس أنك طين
يعلّق أحلامه في الهواء
7
أنا الأيام أمي
والزمان أبي
إذا ما فاضت الأسرار
عن طلبي
سكبت وداعتي
في رحلة الأدب
صدى 7
دعته الليالي
أطل على سر عتمتها
في الظلام
فألقت إليه كتاب الخيال
وقالت له
كن سليل الحمام
وألقت عليه
وألقى السلام
8
أصوغ قصائدي
يوما بلا لغة
وحينا
أستعير الريح
في صفتي
وحينا
أجعل الأيام
قافيتي
صدى 8
أضاءت له الريح
وجه القصيدة
فبانت له الأغنيات البعيدة
فسمى بدايته صلوات
ليرسل في الصلوات
نشيده
9
أنا ظل توضأ
من دمي قلمي
ولدت فكان
لي شكل من الحلم
تنبأ لي
جميع الناس بالألم
صدى 9
وفاءَ إلى الحلم
والحرف
فاءَ إليه
كأن القصيدة
كانت سلاما عليه
ولكنه
في مرايا الرواة
سيحمل آلامه بيديه
10
فمنهم قال
هذا الطفل معجزة
ومنهم قال
في عينيه
عاصفة
ومنهم قال
سوف تضله امرأة
صدى 10
ويحكى
بأن الذين رأوه
على درج الريح يمشي
وحيدا
رأوا فيه سرا مسافته مطر
آخرون رأوا
أنه سيد الأغنيات العنيدة
ستحمله امرأة
أسكرتها كؤوس الخيال
سيسقط في ظلها
كي تربّي على راحتيه
الظلال
11
تنبأ لي أبي
أني سأقتله
ففي عيني
سر الغيب يجهله
وأني ذات يوم
لن أكون له
صدى 11
ويُروى
بأن عجوزا
طوتها التجارب
قالت
ستنهض منكَ
لأنك أنت
ولست أباك
وبعد زمان
وليس طويلا
سيعرف كشف الذي قلته
من رآك
12
وصرت حكاية
للناس
بين الهزل والجد
لقد كلمتهم
في لفة المهد
وقلت لهم
أنا من رعشة الخلد
صدى 12
وكان الذي كان
مما رأته العجوز
ومما روته الحكاية
فقال ...
وقالوا ..
وقيل ...
وقال...
كأن الخرافة
صارت لسانا
يرتب ما حاكه
في الضلال الضلال
13
وقلت لهم
أنا من طينة الأحلامْ
أتيت
لكي أرتب
فيكمُ الأيامْ
وأنزع من عيونكم
رؤى الأوهامْ
صدى 13
تلا
ما توارث من حكمة
قال
جئت لكي تعرفوا
بلساني
مسافاتكم
كي تعود
اليمامة زرقاء
تكشف ما لا ترون
وتكشف ما غاب
في سكرات الزمان
14
مضوا عني
كمن خابت رسالته
وضلت
في رياح الشك
آيته
وخابت
في مدى الأيام غايته
صدى 14
تفرق عنه الجميع
رموه
وأجمع
كل الذين ...
بأن يرجموه
وأن يرجموا حلمه
بالخطيئة
15
سحبت ذيول أيامي
من الزمن
وصار الشعر والكلمات
لي وطني
وصرت إذا عشقت
أذوب من شجني
صدى 15
طوى ما طوى
من سحاب
ليلبس عزلته في الغياب
فما أمَّلت روحه
كان محض سراب
سوى الشعر كان له
ما يعين
على ما يرى من خراب
16
حملت جميع أوراقي
بلا قلق
ورحت أعيد رسم الوجه
في الأفق
لأمضي حيثما الريح
ابتدت طرقي
صدى 16
وقيل :
ارتدى خيبة
واستعان على حزنه
بانتظار الذي
ربما لا يجيء
ودلّ الرياح
على دربه
ربما يهتدي بالرياح
17
أنا متنبئ
عرافتي حلمي
حملت طفولتي
نسغا من الألم
لأدخل ظلها
الأبدي بالقلم
صدى 17
رأى غار أحلامه
فارتدى عتمة الغار
حتى رأى حلمه منزلا
من فضاء الطفولة
قال : سأدخل ظلي
كمن آنس الكلمات براقا
يَقلُّ رسائله للمدى
في ظلال الألم
18
مشيت
كمن تراه الريح
مكتئبا
تركت " الباب "
والأصحاب والعتبا
وجئت
مدينة تغوي الهوى
"حلبا "
صدى 18
تعرى من الوقت
من ظله في المكان
وأفرغ أوراقه
من عربات الحنان
مدينته أرهقته
وأرهقه أهلها
تولى
ليخلعها عن هواه
ويخلع وجهه من ظلها
19
ورحت هناك
بين البيت
والمقهى
أرى ما شئت
فيما شئت أن يطهى
وحينا أنطوي
في روحي الولها
صدى 19
ويروى
بأنه كان يردد في سره
" حلب قصدنا .. "
فأنس فيها المقاهي
وأدمن سيجارة
من دخان رديء
يعلق أوجاع
كل السنين
على حائط
في مدى غرفة موحشه
ومن حينها
خبأ الحلم
كي لا يطيرْ
وبعثر أوراقه
فوق طاولة من أنين
تردد أوجاعها
كلما أنَّ من تعبِ
الروح حزن السريرْ
20
أنا مذ كنت في صغري
أحب الريحْ
أحب رداءها
الممتد كالتسبيحْ
أحب أنينها
في البرد
حين تصيحْ
صدى 20
وكان
إذا عانق الذكريات
وأيقظ فيه الحنينُ
الحنينْ
رأى
خيط طائرة من ورق
تبوح لها الريح بالصلوات
وبالأغنيات
وكان يرى
حين ينشغل الوقت عنه
عصافير
تحلم بالصبح
خلف الجهات
وكان يرى
حين يخلو
ورودا تنام الفراشات
في عطرها
توقظ الذكريات
21
أنا موالها
في ناية القصب
أنا أحلامها
في رحلة التعب
أنا سر المسافة
نزعة الغضب
صدى 21
طوته المدينة
قالت له
كن نداء الجنون
وكن صرخة المتعبين
وكن شوكة في عيون الطغاة
لتصفو الرؤى في العيون
22
وحين صحوت
قالوا :أنت معتقلُ
تركتَ الريح
في الساحات تشتعلُ
فحق عليك
ما تلقاه يارجلُ
صدى 22
خذوه
فغلوه
حتى يرى ما جنته
يداه
ولم يطلع الفجر من حينها
مذ رموه
رأى أمه في المنام
تقول له
مات حزنا عليه أبوه
وقالت له
كل شيء بخير
لقد فصلوا أخته من وظيفتها
وأقالوا أخاه
فجن أخوه
أتوه
فعلق أحلامه واستقام
أمام الذين أتوه
وجروه من صمته
في ممر طويل وداسوا عليه
ومن قدميه على شبك علقوه
فأسدل أوجاعه
من دم وسياط
أعادوه
ثم نسوه
23
تركت الوقت
مخنوقا على الجدران
ورحت أغبُّ
كاسات من النسيان
أرى ما يبقى
عندهمُ من الإنسان
صدى 23
وقال الذين التقاهم هناك
وكانوا قريبين من صمته
بأنه كان يُعرّي الجدار
من الموت يملي عليه
قصائد تعرج من موته
وردد بعض الذين أعانوه
ماقاله
بعد ماعاد من جلسة الكهرباء
" سأرفع روحي
لتنسل مني السياط
ويسكن في كلماتي الهواء "
24
تجمع حولي الأشباح
في التحقيقْ
فقال كبيرهم
حدثني مثل صديقْ
وحين صمتت
صرت أسير كالبطريقْ
صدى 24
وقال المحقق
ـ من أنت حتى تدين النظام
الذي في البلادْ
ـ أنا ...
ـ أنت جروٌ حقير
ستعرف من أنت
ياابن الحرامْ
25
تكلمْ
قال لي من قبل
أن تلجمْ
فإما أن تقول
وإما أن ترجمْ
وحين صمت
صار بلاطهم من دمْ
صدى 25
ويُحكى بأن المحقق
كان قصيرا
يخور كثور
وينبح حينا
ككلب
ويؤمن
أن الجميع عبيد
وأنه ربْ
ويسأله
حين يركله المخبرون
أمامه
ـ من أصدقاؤك؟
من كان يمشي معك ؟
وماذا تخبئ عنا
( ولاك)
سألعن
أفتك
أفعل
إن لم تجب
عندما أسألك
26
يمر الوقت
سكينا على عنقي
رأيت الناس
مختلفين
في طرقي
أبي في القبر
مدفونا على مزقي
صدى 26
وقال الرواة جميعا :
وبعد زمان طويل
طويلْ
وأيقن أن الرجوع إلى أهله
مستحيلْ
ولم يبق في العمر
إلا القليل
أتاه الكبير
وقال
بوسعك أن ترحل الآنْ
لتبدأ
" فالعيش شيء جميل "
27
وحيد بين أوراقي
ومحبرتي
أرتب
في هدوء الليل
ذاكرتي
لعلي ازفر النيران
من رئتي
صدى 27
وقيل
روت أخته
أنه كان يبكي
وحيدا
ويفزع في العتم
يصرخ
يجري بعيدا
كأن الذي كان في سره
لا يقال
فظل يناجي رؤاه شريدا
28
أتيت إليك
مهدودا من التعب
أتيت
فلملمي
روحي على كتبي
ورديني
على ما شئت من حقبي
صدى 28
رأته على مقعد
في الحديقة
كان يقلب
أوراق أيامه وهواهْ
فنادت عليه
ولما رآها تجلت رؤاهْ
وقال لها
حين ضمت يديها يداهْ
تعبت ُ
فقالت
كذا كان قلبي
أسيرَ عماهْ
29
أنا للحب
أمنح كل أوردتي
وأمنح روحي الثكلى
بلا جهة
وتاريخي
وما قدست من لغتي
صدى 29
روى عنه أصحابه أنه
طواه الهوى
حين نادى عليه
فصلى
بكامل أحلامه
كي يفيء إليه
30
كأنكِ
كنتِ من طيني
وفخَّاري
ومن صمتي
ومن قلقي ومن ناري
فكنتِ تميمة الرؤيا
بأشعاري
صدى 30
تقول له
كان وقتا عصيبا
من الانتظارْ
وكدت أسلّم لليأس
والانكسارْ
يقول لها
ـ والذي فلق الفجر ـ
ما كنت أحسب أني
أعانق يوما
صلاة النهارْ
وأني أراكِ
تفكين أسري
وتشتعلين بقربي
قصائد تجلو مرارة عمري
تقول له
ويقول لها
وديك الحكاية في الفجر صاح
وأدرك من بعده شهرزاد الصباح