أحوالي في مرآتها - علاء الدين عبد المولى

... وحمَّلَتني فوق ما يستطيعُ السِّياج من الياسمينْ‏
وأطلقتَ في الصّدر فجراً‏
وعلّقتَ ناياً خصوصيّةً في شفاهي‏
وأصغيتَ تسترقُ السّمعَ...‏
هل أغنياتي سترمي على ركبتيك سماءً؟‏
لماذا إذاً حاصرتني خطاكَ‏
أأهربُ منكَ، وعلَّمتني أنَّ قلبكَ مركبةُ الهاربينْ؟‏
لمنْ كلُّ هذا العلوّ تشدُّ ضفافي إليه؟‏
فأصحو، وحولي قصائدُكَ انفرطَتْ،‏
هذه لي، وتلك لمن؟‏
كيف يمكن أن تتوزّعَ في شرفاتٍ‏
تباركُ منها المسافاتِ؟‏
تُلْقي خطاباً من الوجد‏
في أمّةِ العشق والعاشقينْ‏
أتقبضُ عاشقةٌ جمرَ داخلكَ المتوهّجِ؟‏
تقرأُ فيه هشيم الحقولِ‏
وأطلالَ روح؟‏
أجئتَ إليَّ لتنسج حولي براعمَكَ الشّاعريّةَ؟‏
كم أنت تصحو‏
وفيك تنام أنانيّةٌ جارحَهْ؟‏
دع الآن هذا البلاطَ غريباً‏
وأغلقْ وراءَكَ باب الكلامِ‏
تجنّبْ خطايَ‏
فما زلتُ أنزفُ من صوتك المتكسِّرِ‏
من مشهد البارحَةْ‏
ولا تقترب بعد أكثَرْ‏
فماذا تظنّ عروقي وقد طفحَتْ بغنائكَ‏
إيقاعَ لوز وسكَّرْ؟‏
تظنّ يديّ تضمّان فيك الغيابَ‏
وتنسى الأصابعُ ترتيبها إن تأخَّرتَ؟‏
... لا تتأخَّرْ‏
وحرّكْ تراب الثَّواني‏
بصوتكَ ينزلُ مثل غمام الحكايا‏
فتخصبُ فيه الجذور الأليفَةُ،‏
يلبسُ جذعٌ ربيعاً‏
ويأخذُ قلبيَ حصَّتَهُ من مداكَ‏
فخُذْ من مدايَ‏
لنصفو معاً‏
إليكَ سأوكلُ ما في قُرى القلبِ من قلقٍ‏
خفيفٌ فؤادي‏
ولكنّ سقفاً من الحسراتِ هوى فوق قلبي‏
امتلأتُ بأثقالِ حلْمٍ له صفةُ الرِّيحِ‏
تصهلُ أسرارُها في الفضاءْ‏
فمن يدخلُ الآن ذاكرتي؟‏
ليقرعَ فيها نواقيسَها النّائمَةْ؟‏
أكون لك البئرَ تسكبُ فيها جنونكَ‏
كن لي إذا ما أشاءْ:‏
صباحاً بأجنحةٍ من عصافير نيسانَ‏
تنشئُ بين ضلوعيَ عشّ الغناءْ‏
وكن دَرَجاً للقصائدِ تهبطُ من جسدي‏
ثمّ تصعد نحوكَ راقصةً بامتلاءْ‏
وهذي مشارفُ روحي على ظلِّها تورقُ الشَّجراتُ‏
تفيَّأْ ظلالي‏
وغنّ:‏
(تعالَيْ سهاماً تحاصرُ قلعةَ قلبي‏
وتفتَحُها لحرير الأغاني‏
تعاليْ محمَّلةً بالزّمان محلِّقةً بالمكانِ‏
وحولكِ تنتبهُ الجنّة المستحيلَةْ)...‏
... ... ...‏
صباحُكَ حلوٌ فخُذْني إليه‏
وشرِّد سحابات يومي عليكَ‏
جميلٌ هطولي كما قلتَ لي،‏
سأمزجُ عينيك بالمشهد الياسمينيِّ والعَسَلِ‏
وأغرفُ من راحتيكَ قصائد أجملَ ممّا‏
كتبتَ بأنثى سوايَ‏
وأنقلُ عنكَ قليلاً من الصَّمت‏
أرويه في اللّيل بعد لجوء الكواكبِ نحوي‏
أخبّئهُ في عبير الوسادَةِ‏
أرميه بين الزّوايا وأحلمُهُ...‏
هو صمتُكَ يختارني،‏
كيف أصمتُ عنه؟‏
ووجهُكَ يسرقني من حَمام الكتابِ‏
فأين أخبّئ وجهيَ منهُ؟‏
لهوتَ بأرجوحة الحسّ في عيد روحي‏
فما أجملَ الشاعر المتوهّج يلهو‏
ويلهو‏
ويلهو...‏
... ... ...‏
ستدخلُ منزلَكَ المتواضعَ‏
أين ستجلسُ؟‏
كلّ المقاعد متَّكأٌ للرِّياحِ‏
وحولكَ تبحرُ أحوال (فيروز)‏
-أين توجّهتَ ثمّة وجهٌ لـ(فيروز)-‏
ممسكةً بأعنّة وقتكَ...‏
قلْها جمالاً من المطلقِ‏
وكُنْها... تعلّم على فجرها الأزرقِ‏
مزاميرَ خلْقٍ تعيدُ صياغَةَ هذا الخرابِ‏
تمدّدْ على قدمَيْ صوتِها مثل نهر صغيرٍ‏
هي البحرُ،‏
فاطلُبْ إليها زوارقَ لم تُخْلَقِ‏
مناراتُ مجدٍ إذا حلَّ ليل الضّبابِ‏
على بابها قفْ نقيّاً‏
تجمّل بأبهى خشوعٍ‏
ولا تقرع البابَ...‏
إذْ أنَّها البابُ‏
فادخُلْ خفيفاً رشيقاً‏
تجدْ سرّكَ السّرمديَّ هناكَ‏
ملاكاً أمام إلهْ‏
تجدْ أنَّها لفظةُ الرّبّ تُلقى على الأرضِ‏
حتَّى تكون الحياهْ...‏
... ... ...‏
أتحملني في غيابي‏
وتعتقلُ البرهةَ الهاربَةْ‏
بنقطة حبر تشعّ كقنديلِ (زوربا)‏
على شرفات البحارِ‏
وترقصُ بين دوائرَ زرقاءَ خضراءَ‏
تقطع قلبَك أقواسَ ضوءٍ‏
لتعبُرَ من تحتها عرباتُ النَّهارِ‏
سلاماً لإشراقكَ الدّاخليِّ‏
يفيض ويغمرني‏
أنتَ حمَّلتني فوق ما يستطيعُ السّياجُ‏
ولكنَّني في القصيدة أحمل أكثَرْ‏
فشكراً لحريّة تتعلّم منكَ‏
وشكراً لهذي القصيدةِ‏
دوّنتُها في غيابكَ عنْكَ...‏
__________
8/4/1998‏