الوحشةَ أقول لكنَّ - علاء الدين عبد المولى
أين انقذفتُ؟
بأيّ وادٍ همتُ؟
مفتاحُ الفراديس المذهَّب هل كُسِرْ؟
ليكون كهفاً ما أريدُ، مجوَّفاً في تلّ سفحٍ مندثرْ؟
صبحاً دخلتُ على هواء اللَّيلِ
قالتْ سيِّداتُ الماء:
"تمدُحنا وتسمعُ في الغروب صدى أصابعِنا"
وقالت من أضفْتُ لها جمال السّرِّ:
"رقِّصني بلا شفتيكَ
واجلسْ في حدائق شهوتي واحذر يديكَ
فلستُ تفَّاحاً لتطريز القَمَرْ"..
كيف انشطرتُ؟
بأيّ وادٍ طرتُ؟
أين إناءُ روحي؟
في الغبار شظيَّةٌ
وشظيّةٌ في صوتِ أغنيةٍ تلبَّدَ
عندما انقطَعَ الوَتَرْ
أأنا حصانٌ تهربُ الفلواتُ منهُ؟
أنا نحيبٌ لا يصادف أيَّ ناي في سَفَرْ
أنا لستُ غيماً في الفراغِ
ولستُ ينبوعاً ليعطي دونما سببٍ
ولا شجراً يغطِّي الحالمينَ
وليس بين يديه إلاَّ وحشة الأغصانِ
بعْد ذبولِ لؤلؤة الثَّمرْ
أنا لستُ عطر النّسوة المتبرّجاتْ
يرشفنَ من ظلِّي حليب غوايةٍ
وينَمْنَ بين قصائدي مستسلماتٍ راضياتْ
وأنا على بُعْدِ انخطافٍ من شفاهٍ خاطفاتْ
وعلى سفوح اللَّون لوحاتي تداعَتْ
هزّتْ الفرشاةُ جمرتَها
تداعى عالمٌ لدنٌ طريٌّ وانتحرْ
في أيّ وادٍ همتُ؟
سهمُ الحلم
سهمُ الحبِّ
سهمٌ للأساطير الجديدَهْ
سهمٌ يضيءُ الصَّدرَ
سهمٌ يلتوي في الظَّهرِ
سهمٌ في مخيّلة القصيدةْ
حتَّى "تكسَّرت السّهامُ على السِّهامِ"
ولم أذقْ خبزَ المنامِ على المنامِ
ولا حمامٌ فوق سقف الدَّارِ
والشَّبَكُ الكريستاليُّ لم يجلبْ طريدَهْ
في أيّ وادٍ همتُ؟
يا غزلانَ أجدادي وأحفادي
جفلتُ كأنَّني ظبيٌ يطارَدُ عبر صحراءِ الجياعِ
وأنا الجميلُ...
لأنَّني عارٍ، وما وجهي قناعي
أأنا الجميلُ أم الجمالُ؟
أنا عناقيدُ المعذارى؟
أم مساءَلَةُ الحيارى عن كرومٍ تستوي
في رحلة الإيقاعِ
يا وهمَ العنَبْ
والياسمينِ المحتَجَبْ
مَن كان يسمعُ فيَّ صوتَ بنفسجٍ
حتَّى طفحتُ بكلّ طاقاتِ الكآبَهْ
مَنْ شَلَّ نهر قرنفلٍ يجري طليقاً
في الكتابَهْ
قيلَ القصيدةُ وحدها تحلو
لتغري لابساتِ الحقلِ بالعُرْيِ المقدَّسِ
في ينابيع الخليقَهْ
قيلَ القصيدةُ وحدها بنتُ الحقيقَهْ
لكنَّني أمٌّ لعائلةِ القصائدِ
كلُّها منفيَّةٌ عن ذاتها
عزلاءَ من كلِّ القوى الزَّرقاءِ
تسبحُ في ضباب الفُلْكِ مجهضةً
تلمُّ بقيّةً خضراءَ من أعراسِها
وتظلّ تسألُ: ما إلهتُها؟ وجنَّةُ ناسها؟
أمّ القصائدِ وحدها أثرٌ تنقّبُ عنه عينُ الحلم
تطويه يدُ القلق الَّتي تبني عليهِ
جرَّةً جوفاءَ...
أمٌّ لا ترى أبناءَها الآتينَ إلاَّ مارقينَ
يهشّمونَ على يديها نفسَها
ويهرّبون العُمر من حرَّاسها
أمّ القصائدِ منتهى عطشِ الوجودِ
ومَنْ على أنفاسِها
قَدَحُ البحار بخيلةٌ بطباقها وجناسِها
أمٌّ وكانَتْ سهلَ أشجارٍ كِرامٍ
إِنَّما دبَّ الجفافُ على ندى أغراسِها...
في أيّ وادٍ همتُ؟
أسهَرُ في النَّهارِ وفي الظَّلامِ على منادمةِ الكواكبْ
حَمَلٌ وجوزاءٌ وراهبةٌ وراهبْ
ولهنّ منّي معجزاتٌ واهياتٌ كيْ أبشّر بينهنَّ
وكم رثيتُ لحالهنَّ
وكنتُ –قَبْلَ مآلهنَّ-
أمدّ ذاتَ الشَّمس بين ذواتهنَّ
وكمْ سقطتُ لكي يقمنَ من الحكايةِ وردةً زرقاءَ
حتَّى كدتُ أنسى أنَّ لي حقّ القيامَهْ
فليعترفن بأنَّني كنتُ العصيَّ على مزاياهنَّ
والمنسيَّ في أعتابهنَّ
وكنتُ أُشبهُ في مخادعهنَّ أيَّ حمامةٍ بيضاءَ
كنتُ رشقتُ ريحاً بين أرجلهنَّ
كي يرحلنَ في كلّ الجهاتْ
فرحلْنَ دوني بعد أن صدنَ الحمامَهْ
وبقيتُ مجهولَ الإشارة والعلامَهْ
ورششتُ في أجراسهنَّ دمي بقدَّاس المطرْ
ذهبَ الرَّنين بهنَّ
صحتُ: ألا تَعْدنَ ولو عبيراً في فؤادٍ ملصقٍ
فوق الحجرْ؟
أولا تُعِدَن إليَّ أسئلتي قليلاً؟
جرِّبنَ داء الوحشةِ السَّوداءِ في خطواتكنَّ
وقلنَ لي قولاً جميلاً
ماذا خدشتُ سوى مرايا الخوفِ في أحداقكنَّ؟
غمرتُ أذرعكنَّ بالغاردينيا
والفلِّ والأشعارِ والأحلامِ
يا أشعارُ
يا أحلامُ
يا غاردينيا
يبس المغني كله
لم يَبق إلاَّ ظلُّهُ
فارجعنَ من أعلى الطَّريق
عسى الغمامُ يُظِلُّهُ
واذهبنَ في شتَّى المدائن والقرى
واتركنَ لي بعض القليلِ
فقد يفيضُ من الحنان أقلُّهُ...
... ... ...
من لم أكن باباً على أسرارِها
فلتنسحبْ سرّاً وباباً
من لم أكن أسماءَها الحسنى
فإنّي لستُ معناها العَلِيَّ
ولا دلالةَ حلمها
ولها الكتابُ إذا أرادَتْ، إنَّما
أنا لستُ عنواناً، ولستُ لها كتاباً
من لم أكنْ فيها كما تكوينُها الضّوئيّ والطِّينيّ
فلتذهبْ بعيداً، ولتدع ليلي ذئابَا
تعوي وتنهزمُ اغترابا
من لم أكن خبراً ومبتدأً لها
لا تنتظرْ منّي جوابا
من لم أكن بركانَها
فلتَلْقَ من جسدي خرابا..
_________
17/6/2000