بلبل النبيذ في القفص - علاء الدين عبد المولى

وصلَ النَّبيذُ معارج الأسرار،‏
مكشوفٌ هروبُكِ أو هروبي‏
فلنَعُدْ لنردَّ أقداحاً تلاشَتْ وانكسرنا‏
مثلَها حتَّى تُجمِّعَ من شظايانا الأميرةُ‏
زينةً تلهو بها الأبصارُ ما بين التُّحَفْ‏
لا تتركينا في رفوف الحلم منسيّينَ‏
نحنُ سلالةٌ خلاَّقةٌ‏
تلدُ القناديلُ الصّباحَ على مخادِعنا‏
نكونُ لكِ ارتعاشَ الغابةِ السوداءِ في عينيكِ‏
أو إغماءةً نشوى إذا بلغَ الكليمُ جبال سيناءٍ‏
سنخلَعُ روحنا عن روحنا‏
لنكون أنقى أو أشفْ‏
فلتَقْبلينا يا مزنَّرةً بثالوثِ الهَيَفْ‏
نحنُ انسكابُ الشَّمس ما بين العبادِ‏
وليس يبقى من تألّقِها سوى صحنِ الخَزَفْ‏
سنكون زُخْرُفَهُ،‏
وَنقْشَ الخاتم الملكيّ في ظهرِ الأميرةِ...‏
سامحينا إن نسينا أو لهَوْنا‏
قَدْ يهجُرُ الأطفالُ لعبتهم ليشتاقوا إليها...‏
كم لَهَوْنا‏
مثلهم بظلالِ سرَّتكِ النَّقيَّةِ، كم غَفَوْنا‏
بين الظَّلام ونجمة سرّيّةٍ‏
نتعمَّد الإسرافَ في الإسرافِ‏
نمزج في إناءِ الوقتِ جمرتَنا ونَهْرَ رحيقِنا،‏
فتلمَّسي هذا المزيجَ اللُّؤلئي‏
هُو صورةٌ في معجمِ النّور المصفَّى فاقرئي‏
-إن كنتِ قارئةً –كتابَ الياسمين إذا انتشى‏
ورمى الهَواءَ المشتَركْ‏
برُحاقِهِ القدّوسِ... حتَّى لا تظلَّ بقيَّةٌ‏
للسَّاهرين على تباريح الفَلَكْ...‏
... ... ...‏
نحن النَّدامى‏
لا تجرحي صَمْتَ المغنّي حين تجعلُه الدموع دريئةً‏
والوقتُ ليس معلِّم الأشباحِ،‏
همْ يتواعدون مع النَّسيم‏
ليربحوا طوفانهم في جرَّة الأشعارِ‏
نحن بقيَّةُ الله العظيمةُ في عروق المنتشينَ‏
إذا أضاؤوا‏
في وحشة الذِّكرى تَريْن حقولهم‏
ملأى بأعراس السَّنابل، والسماءُ‏
يتيمةٌ من غيرهم.‏
والحلْمُ –هذا البرج يعلو في الضّبابِ-‏
مهدَّمٌ دون اشتعال غيومهم‏
وهمُ انبثاق الفجرِ من تلقاء غاباتٍ بعيدَهْ‏
لا تسرقيهم من منازلَ يَعْمُرون سياجها بدم القصيدَهْ‏
وتوهَّجي فيهم كشعلة ربَّةٍ في قمَّة الجبلِ الخصيبةِ‏
واتركيهم بالدّموع يشيّعون حدائقَ اللَّعناتِ‏
ينتشرون في جهتَيْن من عَدَمٍ‏
يجسِّدُ غيبةَ الأنثى الوحيدَهْ‏
هم بُلْبلُ الذَّهبِ الأخيرِ‏
أقفاصُهم آفاقهم‏
لم تستطعْ أنثى العبورَ إلى جحيمهم الكبيرِ‏
كم كنتِ مفتاحَ النَّبيذِ‏
ونشوةَ الرّبّان حين يعلّقُ القنديلَ فوق البابِ:‏
"ممنوعٌ دخولُ النَّائمينَ.."‏
ونحن جئنا صَحْوَ أمواجٍ‏
وشهوةَ شاطئٍ يمتدّ حتى لا نهايات المنارةْ‏
ولكِ المزاميرُ الجديدة قرب مائدة البشارَهْ‏
ولك الشّعاع المريميُّ‏
كأنَّه جَرَسٌ يعيدُ ويستعادُ‏
ونحنُ من عينيكِ نغتنمُ الفَرَحْ‏
مِيلي كشّلالٍ نبيلٍ‏
من سفوح ظهيرةٍ خضراءَ،‏
يا أنثى نغيّمُ إذ تغيّمُ،‏
ثمّ نشرقُ عندما ينداح في أعماقِها‏
قوسُ القُزَحْ‏
لا تُرِجعينا نحو أوهام الأمانِ‏
فلا أمان لنا وقد سُرِقَ النَّدى من فجرِنا‏
قلنا له ما نستطيعُ من الحرائقِ‏
أنبئينا هل ستولدُ من حرائقِ سرِّنا‏
عشتارُ أخرى؟‏
فلنكن شبَحَيْن في قَبْو النَّبيذِ‏
يطوِّفان على السّكونِ‏
ويرسمان على الجدارْ‏
صوراً ستحفظ ما تبقَّى بعد أن يمضي الظَّلامُ‏
وتستفيقَ الخيبةُ السّوداءُ‏
نرفعها على نعش النَّهارْ...‏